يشهد العالم في السنوات الأخيرة نقلة نوعية في الطلب على الطاقة نتيجة النمو السكاني، والتوسع الصناعي، والتطور التقني، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة.
وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن استهلاك الطاقة العالمي من قبل مراكز البيانات والتقنيات الرقمية قد بلغ نحو 460 تيراواط/ساعة في 2022، ومن المتوقع أن يرتفع إلى أكثر من 1,500 تيراواط/ساعة بحلول 2034، أي بزيادة تتجاوز 200% خلال عقد واحد فقط. الجدير بالذكر، أنّ الولايات المتحدة وحدها قد تمثل مراكز البيانات لديها نحو 8% من إجمالي استهلاك الكهرباء بحلول 2030، مقارنة مع نسبة لا تتجاوز 2% اليوم.
في رأيي، أنّ هذا النمو المتسارع يثير مخاوفًا جدية حول شح الطاقة في المستقبل، خصوصًا في ظل تراجع الاستثمارات العالمية في قطاع الطاقة التقليدي، وعلى رأسها النفط والغاز، فبعد سنوات من انخفاض الأسعار، وتزايد التشريعات البيئية، أحجمت عديد من الشركات الكبرى عن ضخ استثمارات جديدة في التنقيب والإنتاج، ما ينذر بعجز محتمل بين العرض والطلب خلال العقدين القادمين.
في المقابل، فإن الاستثمار في الطاقة المتجددة ما زال يواجه تحديات الكفاءة والتخزين وتذبذب الإنتاج، ما يجعل العالم أمام معادلة معقدة بين الحاجة إلى الطاقة والحفاظ على البيئة.
في اعتقادي، الحل لا يكمن في التركيز على نوع واحد من مصادر الطاقة، بل في رفع كفاءة الإنتاج والاستهلاك لجميع المصادر دون استثناء، سواء كانت تقليدية أو متجددة. فالكفاءة أصبحت كلمة السر في معادلة أمن الطاقة المستدام، حيث أنّ كل كيلوواط يتم توفيره عبر تحسين الكفاءة يعادل في أهميته إنتاج كيلوواط جديد، لكنه بتكلفة أقل وأثر بيئي أخف.
هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي كعامل حاسم في مستقبل الطاقة، حيث أنه قادر على تحليل مليارات البيانات لحظيًا لتوقع الطلب، وتحسين أداء الشبكات الكهربائية، وتقليل الفاقد في النقل والتوزيع. على سبيل المثال لا الحصر، تستخدم بعض شركات الطاقة في أوروبا أنظمة ذكاء اصطناعي تتنبأ بالأحمال اليومية بدقة تصل إلى 98%، ما يقلل من الحاجة إلى تشغيل محطات إضافية. كما تُستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي في إدارة مزارع الرياح والطاقة الشمسية لتحديد الزوايا المثلى للألواح والتوربينات، ما يزيد الإنتاج بنسبة تتراوح بين 10% و20%.
وفي المصانع، تساهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في مراقبة المعدات وتحليل الاهتزازات ودرجات الحرارة لتوقع الأعطال قبل حدوثها، ما يقلل استهلاك الطاقة ويحسن كفاءة التشغيل، حتى على مستوى الأفراد فإن تطبيقات “البيوت الذكية” أصبحت مثالًا واضحًا على كيف يمكن للذكاء الاصطناعي خفض استهلاك الكهرباء بنسبة تصل إلى 30%.
إن مستقبل الطاقة لن يُبنى فقط على زيادة الإنتاج، بل على ذكاء الاستهلاك والإدارة، فالذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية، بل أصبح أداة إستراتيجية لتحقيق التوازن بين التوسع الاقتصادي والحفاظ على موارد الطاقة للأجيال المقبلة.
مختص في شؤون الطاقة