عبد الرحمن النمري
في رأيي، يعيش العالم اليوم مرحلة غير مسبوقة من التحول في مفهوم البنية التحتية الرقمية، حيث لم تعد مراكز البيانات حكرا على الأرض أو محصورة في مبان مترامية داخل المدن، بل بدأت رحلتها الجديدة نحو الفضاء! ما يعرف اليوم بمراكز البيانات الفضائية أو الأنظمة السحابية يمثل نقلة نوعية في مستقبل تخزين البيانات وتشغيل الأنظمة السحابية على مستوى العالم.
تشير التقديرات إلى أن مراكز البيانات الأرضية تستهلك نحو 460 تيراواط/ساعة سنويا في 2020، أي ما يعادل استهلاك دولة متوسطة الحجم من الطاقة، ومن المتوقع أن يتجاوز استهلاكها عالميا 1,580 تيراواط/ساعة بحلول 2034.
هذا النمو المتسارع في اعتقادي مدفوع بالذكاء الاصطناعي والتطبيقات السحابية الضخمة، جعل شركات التقنية تبحث عن حلول مبتكرة لتقليل التكاليف والانبعاثات وتحسين الكفاءة، ومن هنا أتت فكرة مراكز البيانات في المدار الأرضي المنخفض.
تظهر الدراسات أن بناء مركز بيانات فضائي صغير بسعة 1 ميغاواط يمكن أن يقلل استهلاك الطاقة للتبريد بنسبة 40% إلى 50% مقارنة بالمراكز الأرضية، كما أن الاعتماد على الطاقة الشمسية الفضائية التي توفر أكثر من 1,360 واط لكل متر مربع من الإشعاع المستمر دون انقطاع ليلا أو نهارا يجعل هذه المراكز أكثر استدامة وكفاءة بلا شك. إضافة إلى ذلك، يمكن نقل البيانات بسرعات تتجاوز 10 غيغابايت في الثانية عبر شبكات الأقمار الصناعية الحديثة مثل “ستارلينك” على سبيل المثال لا الحصر.
الجدير بالذكر، أنه وبالرغم نن هذه المزايا المذهلة، إلا أن هناك تحديات تقنية واقتصادية كبيرة، فتكلفة إطلاق كل كيلوغرام إلى المدار الأرضي لا تزال تتراوح بين 2,000 إلى 3,000 دولار أمريكي رغم انخفاض الأسعار بفضل تنافس الشركات. تواجه المراكز الفضائية أيضا مخاطر الإشعاع الكوني الذي قد يقلل من عمر المعالجات بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بالبيئة الأرضية، إلى جانب التعقيدات القانونية المتعلقة بملكية البيانات والسيادة الرقمية.
من وجهة نظري، لن تكون المراكز الفضائية بديلا كاملا عن المراكز الأرضية وإن نضجت وتجاوزت بعض العقبات، بل حلقة مكملة في منظومة رقمية متكاملة، حيث أن المهام التي تتطلب معالجة فائقة السرعة أو أمانا سيبرانيا محكما يمكن نقلها إلى المدار، بينما تبقى المراكز الأرضية مسؤولة عن الخدمات التشغيلية والاحتياج المحلي.
مختص في شؤون الطاقة
