يلاحق سوق الأسهم الصاعدة في 2025 سؤال كبير: هل نحن نعيش في فقاعة ذكاء اصطناعي تشبه فقاعة الدوت كوم في التسعينيات؟
تشير مؤشرات كثيرة إلى وجود "رغوة استثمارية" مشابهة مثل تمويل الموردين لعملائهم، وتركز الاستثمارات في فئة أصول واحدة فقط وهي مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وكل ذلك مدفوع بطلب نهم على قدرات حوسبة الذكاء الاصطناعي.
في قلب كل هذا، تقف شركة أوبن أيه آي الناشئة، مطورة "شات جي بي تي"، التي أشعلت الشرارة في 2022، والتي ربما تمثل نقطة ضعف حرجة لهذا القطاع بأكمله.
الطلب على الذكاء الاصطناعي هائل، لكنه يستند إلى توقعات مستقبلية بتحقيق عوائد ضخمة.
بحسب صحيفة "بارونز"، تنفق الشركات الكبرى مثل "ميتا" و"أمازون" و"ألفابت" و"مايكروسوفت" مجتمعة نحو335 مليار دولار على البنية التحتية هذا العام. ومنذ 2024، جمعت الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي259 مليار دولار، بحسب منصة "كرنش بيس".
وتتقدم "أوبن أيه آي" الصفوف، بعد أن سجلت جولة تمويل قياسية بقيمة 40 مليار دولار هذا العام وهو رقم ضخم، لكنه يظل صغيرًا مقارنة بالالتزامات المستقبلية التي تعهدت بها الشركة.
في العام الماضي، ومع النمو المتسارع لـ"شات جي بي تي"، بدأ الرئيس التنفيذي سام ألتمان بعرض خطة طموحة لاستثمار تريليون دولار لبناء مراكز بيانات جديدة حول العالم، لتوسيع نطاق "شات جي بي تي" ليبلغ حجم محرك بحث "جوجل".
اليوم، وقعت "أوبن أيه آي" اتفاقيات لبناء مراكز بيانات بإجمالي قدرة 16 جيجاواط، وتشير تقديرات وول ستريت إلى أن تكلفة هذه المراكز قد تصل إلى 750 مليار دولار. كما التزمت بشراء خدمات حوسبة سحابية من "أوراكل" بقيمة 300 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. وبذلك تكون التزامات "أوبن أيه آي" قد بلغت تريليون دولار تقريبا.
صحيح أن "أوبن أيه آي" شركة ناشئة أعجوبة، إلا أن التزامها بإنفاق هذا الرقم "الجنوني" –الذي يعادل 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي لعام 2024 – يثير تساؤلات كثيرة، خصوصًا أن الشركة لا تزال تحقق خسائر كبيرة ومتزايدة.
وهنا يُطرح سؤال جوهري: كيف ستمول الشركة هذا التريليون؟ ولم لا تبدي سوق الأسهم أي قلق؟
يدعم "أوبن أيه آي" داعمين كبار مثل "إنفيديا"، التي ستسهم بـ100 مليار دولار مقابل حصة في بعض مراكز البيانات، في نموذج تمويلي يشبه ما كان يحدث في فقاعة الدوت كوم.
وهناك أيضاً داعمون مثل: "أوراكل" و"سوفت بانك". لكن هذا لا يغطي سوى جزء بسيط من المبلغ، ويبقى 800 مليار دولار يجب توفيرها من خلال التدفقات النقدية، أو الطرح العام، أو الديون، وكل حجم منها سيكون سابقة تاريخية في عالم التمويل.
فالتدفقات النقدية، حتى لو أصبحت "أوبن أيه آي" مثل "أبل"، فستحتاج إلى 10 سنوات من التدفق النقدي الحر لتمويل هذا الرقم.
وحتى الطرح العام لن يجدي لوحده، فعلى مدى 45 عاما، جمعت الاكتتابات العامة لشركات التكنولوجيا نحو 600 مليار دولار فقط.
أما لو مولتها من خلال الديون، فحتى أكثر الشركات مديونية في العالم مثل شركة فيريزون كوميونيكيشنز، لديها ديون صافية تبلغ 164 مليار دولار، لا تقترب من هذا الرقم، وتمتلك أصولاً بقيمة 265 مليار دولار كضمانات، بينما تفتقر "أوبن أيه آي" لمثل هذه الأصول.
هناك عقبة أخرى، وقد تكون أندر من المال، ألا وهي الطاقة.
تحتاج مراكز بيانات "أوبن أيه آي" إلى طاقة تُقدر بـ16 جيجاواط. للمقارنة، فإن آخر مفاعلين نوويين بُنيا في الولايات المتحدة يولدان معًا 2.2 جيجاواط، وقد استغرق إنشاؤهما 15 عاما وتكلفة فاقت 30 مليار دولار.
وبالتالي، فإن تلبية طموحات الشركة تتطلب ما يعادل بناء 15 مفاعلًا نوويًا، في وقت تواجه فيه مشاريع الطاقة معارضة بيئية ومحلية، وتعتمد في الأغلب على مولدات الغاز التي تفتقر للكفاءة.
فشل "أوبن أيه آي" في تأمين هذا التمويل قد يؤدي إلى تأثير دومينو يضرب السوق الصاعدة. فمثلا، بعد إعلان صفقة الحوسبة السحابية مع "أوراكل"، ارتفعت أسهمها 36%، مضيفة 248 مليار دولار لقيمتها السوقية في يوم واحد. ولو تعثرت "أوبن أيه آي" في السداد، فستنهار هذه القيمة سريعاً.
هذا مجرد مثال واحد من المخاطر التي تحيط بـ"أوبن أيه آي" والتي تمتد من أكبر شركة في العالم إلى مزودي الحوسبة السحابية، وشركات الطاقة، ومصنعي مولدات الغاز.
في النهاية، لا يمكن الجزم إن كنا في فقاعة، لكن من المؤكد أنه لم يسبق في التاريخ أن أصبحت شركة ناشئة واحدة بهذا التأثير على السوق بأكمله.