بينما استحوذت الروبوتات الشبيهة بالبشر من الصين والولايات المتحدة على إعجاب الناس بمهارتها في تقديم المشروبات، والمشاركة في مباريات الملاكمة، وخوض سباقات الماراثون، وتقديم عروض راقصة على المسرح، ظلت نظيراتها في اليابان – الرائدة تاريخياً في مجال الروبوتات – محصورة في الغالب داخل المصانع.
تعود بدايات اليابان في مجال الروبوتات الشبيهة بالبشر إلى ستينيات القرن الماضي، ما يطرح سؤالاً محورياً: ماذا حدث خلال هذه المسيرة الطويلة؟
في معرض الروبوتات الدولي السادس والعشرين (IREX)، وهو معرض صناعي يُقام كل عامين ويستمر أربعة أيام، ويُعقد في أوائل ديسمبر في مركز طوكيو بيج سايت، واصلت الشركات اليابانية العملاقة في مجال الروبوتات الصناعية، مثل كاواساكي، وفانوك، وياسكاوا، وناتشي هيمنتها الواضحة، بعدما احتلت أكبر الأجنحة. وشوهدت أذرع روبوتية ضخمة تتحرك بدقة متناهية، تحاكي عمليات اللحام وتجميع المواد ومناولة الأجزاء في بيئات تصنيع واقعية.
ما الاهتمام الأساسي لليابان؟
هذا التركيز، بحسب شركة الأبحاث الصناعية "تريند فورس"، «يُبرز اهتمام اليابان المستمر بالتطبيقات الصناعية الناضجة، حيث تُعدّ عمليات الدمج والنشر والعائد على الاستثمار مفهومة جيداً"، حسبما ذكرت ساوث تشاينا مورنينج بوست.
وقد استقطب المعرض رقماً قياسياً بلغ 673 عارضا، من بينهم 140 شركة من 13 دولة ومنطقة. كما سجلت المشاركة الصينية أعلى مستوى لها على الإطلاق بواقع 84 شركة، رغم التوترات الدبلوماسية المستمرة بين طوكيو وبكين.
رغم هذا الحضور الصناعي التقليدي، كانت الروبوتات الشبيهة بالبشر هي الأكثر لفتاً للأنظار في المعرض، ومعظمها من شركات صينية ناشئة تأسست حديثاً، من بينها "جالبوت" و"أجي بوت" و"روبوتيرا"، التي تأسست جميعها في 2023. وفي جناح شركة يونيتري الصينية الرائدة في مجال الروبوتات، الذي استضافته شركة التوزيع اليابانية تيكشير، قدمت الروبوتات عروضاً للملاكمة والرقص أمام حشود غفيرة من الزوار.
قال تانج جين، كبير الباحثين في بنك ميزوهو: "الروبوتات الصناعية تمثل معقلاً تقليدياً لليابان، بينما تنافس الصين في تقنيات ومسارات جديدة لم تتضح حدودها بعد ولم تهيمن عليها شركات راسخة".
اليابان سبّاقة في تطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر
تاريخيا، كانت اليابان سبّاقة في تطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر. ففي أوائل سبعينيات القرن الماضي، كشفت جامعة واسيدا عن WABOT-1، الذي يُعد أول روبوت بشري كامل الحجم في العالم، وكان قادراً على المشي والتحدث والإمساك بالأشياء. أما WABOT-2، الذي طُرح في الثمانينيات، فكان قادراً حتى على العزف على لوحة مفاتيح موسيقية.
في الفترة نفسها، بدأت شركة هوندا برنامجها البحثي في هذا المجال، ليظهر روبوت ASIMO في 2000 كأشهر روبوت بشري في العالم آنذاك، قبل أن تنهي الشركة تطويره في 2018 بسبب ضعف الجدوى التجارية. كما أوقفت مجموعة سوفت بنك إنتاج روبوت Pepper في 2021 نتيجة تراجع الطلب.
وقد أدى توقف هذه المشاريع البارزة إلى تراجع الحماس الياباني تجاه الموجة الجديدة من الروبوتات الشبيهة بالبشر، وفقاً لتاكاكي شيجيميتسو، رئيس "تيكشير"، الذي قال إن هذه الروبوتات "كانت موجهة للترفيه أكثر من العمل الصناعي، ومع مرور الوقت تلاشى الاهتمام العام بها".
ما دور النظام الجامعي الياباني في تراجع مواهب الذكاء الاصطناعي؟
لطالما ركز النظام الجامعي الياباني على كليات الهندسة المرتبطة بقطاع التصنيع، ما أسهم في نقص نسبي في المواهب المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي. ورغم أن الشركات اليابانية لا تزال تتمتع بقدرة تنافسية عالية في الروبوتات التقليدية، حيث تُسهم بنحو 38% من الإنتاج العالمي وفقاً للاتحاد الدولي للروبوتات (IFR)، فإن هذا النجاح ذاته جعل التحولات الإستراتيجية نحو مجالات جديدة أكثر صعوبة.
في المقابل، شهد قطاع التصنيع في الصين نمواً متسارعاً، مدعوماً بسياسة "صُنع في الصين 2025" التي أُطلقت عام 2015، ووضعت الروبوتات ضمن أولوياتها الإستراتيجية. وبحلول 2024، ركّبت الصين نحو 295 ألف روبوت صناعي، أي ما يعادل 54% من الطلب العالمي، مع تفوق الموردين المحليين على الشركات الأجنبية داخل السوق الصينية.
وفي معرض IREX، ظل الترابط بين صناعات الروبوتات الصينية واليابانية واضحاً. فالأذرع الروبوتية اليابانية تُستخدم على نطاق واسع في المصانع الصينية، وغالبا ما تُقترن بكاميرات ثلاثية الأبعاد صينية الصنع، في حين تدمج مكونات يابانية دقيقة داخل الروبوتات الشبيهة بالبشر التي تطورها الشركات الصينية. كما يواصل عدد من المصنّعين اليابانيين تشغيل مرافق إنتاج في الصين.
واليوم، تسعى اليابان، التي كانت مهيمنة على عالم الروبوتات لعقود، إلى اللحاق بالركب في ظل التحول الذي يقوده الذكاء الاصطناعي. وتهدف "جمعية كيوتو"، التي تأسست في أغسطس، إلى إنعاش صناعة الروبوتات الشبيهة بالبشر من خلال تعزيز التعاون بين المصنّعين والمؤسسات الأكاديمية.
وفي نهاية المطاف، يبقى السؤال الجوهري نفسه: هل الروبوتات الشبيهة بالبشر مفيدة فعلاً؟ فالشركات الصينية تواجه ضغوطاً متزايدة لإثبات قيمتها العملية، وسط تحذيرات من مؤسسات بحثية وبنوك استثمارية من أن تحقيق الجدوى التجارية الواسعة لا يزال يحتاج إلى وقت، وتجارب ميدانية، وإثباتات واضحة على أرض الواقع.

