يشهد المشهد الاستثماري العالمي تحوّلا متسارعا في توجهات رؤوس الأموال، حيث بات المستثمرون الدوليون يميلون بصورة متزايدة إلى أسهم شركات الذكاء الاصطناعي الصينية، مدفوعين بارتفاع تقييمات شركات التكنولوجيا الأمريكية وما يرافقها من مخاوف متنامية بشأن احتمالات تضخم الأسعار وتكوّن فقاعة في أسواق وول ستريت.
ولا يعكس هذا التحوّل مجرد بحث عن عوائد أعلى، بل يجسّد كذلك رغبة مديري الصناديق في تنويع استثماراتهم جغرافيًا، في وقتٍ تتصاعد فيه الشكوك حول المبالغة في تقييم الشركات الأمريكية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، رغم الزخم الإعلامي والمالي المحيط بها.
وقد أسهم الدعم الكبير إلى تحقيق الاستقلال التكنولوجي في تعزيز الإقبال على الشركات الصينية العاملة في هذا القطاع. ففي إطار هذا التوجه، سارعت الصين إلى إدراج عدد من شركات تصنيع الرقائق الإلكترونية، من بينها Moore Threads وMetaX، اللتان سجلتا أداءً لافتًا في أسواق الاكتتاب خلال الفترة الأخيرة، ما عزز القناعة بأن بكين تمضي بخطى حثيثة نحو تقليص الفجوة التكنولوجية مع الولايات المتحدة، لا سيما في مجالي أشباه الموصلات وبنية الذكاء الاصطناعي التحتية.
المستثمرون الأجانب يرون في الصين فرصة بديلة
في هذا السياق، بدأ المستثمرون الأجانب ينظرون إلى الصين بوصفها بديلًا استثماريًا منطقيًا في قطاع الذكاء الاصطناعي، مستفيدين من الزخم الذي توفره شركات الرقائق ومطوري البرمجيات. ويتزامن هذا التوجه مع تصاعد القلق حيال الارتفاع الكبير في تقييمات أسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية المدرجة، الأمر الذي دفع عددًا من مديري الأصول إلى إعادة موازنة محافظهم الاستثمارية والحد من التركّز المفرط في عمالقة التكنولوجيا الأمريكية.
وتبرز في هذا الإطار شركات صينية كبرى مثل علي بابا، وبايدو، وتينسنت، التي تستقطب اهتمام المستثمرين بفضل استثماراتها المتنامية في رقائق الذكاء الاصطناعي، والنماذج اللغوية الضخمة، والبنى التحتية للحوسبة السحابية، مقدّمةً تعرضًا متنوعًا لمنظومة الذكاء الاصطناعي الصينية بتقييمات يُنظر إليها على أنها أكثر اعتدالًا مقارنة بنظيراتها الأمريكية.
كما أسهمت موجة إدراج الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي في كل من الأسواق الصينية وهونج كونج في تعزيز شهية المستثمرين، حيث أعاد النمو القوي الذي حققته شركة "ديب سيك"– والتي يُنظر إليها بوصفها الرد الصيني على "تشات جي بي تي"– تسليط الضوء عالميًا على القدرات المتنامية للصين في هذا المجال.
التنافس التكنولوجي بين بكين وواشنطن
ويؤدي التنافس التكنولوجي المتصاعد بين الصين والولايات المتحدة دورًا محوريًا في توجيه تدفقات الاستثمار نحو الأصول الصينية. وقد أشار مديرو ثروات عالميون إلى جملة من العوامل التي تدعم هذا التوجه، من بينها التركيز الاستراتيجي على الاستقلال التكنولوجي، والتقدم السريع في تحويل تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى مصادر إيرادات، فضلًا عن فجوة التقييمات التي تجعل أسهم التكنولوجيا الصينية أقل كلفة نسبيًا مقارنة بنظيراتها الأمريكية في بعض المؤشرات، مثل مؤشر "هانج سينج تك" في هونج كونج.
وفي السياق ذاته، أُطلقت منتجات استثمارية جديدة، أبرزها الصناديق المتداولة في البورصة (ETFs) التي تركز على أسهم التكنولوجيا الصينية، ما أدى إلى استقطاب تدفقات رأسمالية قوية خلال العام الجاري، وعكس تنامي الثقة في الآفاق طويلة الأجل للقطاع.
المخاطر وحدود التفاؤل
ورغم هذا التفاؤل، يحذر بعض مديري الاستثمار من أن وتيرة الصعود في بعض الأسهم قد تكون قد سبقت الأسس الاقتصادية الفعلية للنمو. فرغم الأداء القوي الذي سجلته بعض شركات تصنيع الرقائق الصينية حديثة الإدراج، تبقى المخاوف قائمة من أن يكون جزء من هذا الزخم مدفوعًا بعوامل نفسية ومزاج السوق، أكثر من كونه قائمًا على متانة الأرباح أو سلامة التقييمات.
وبناءً على ذلك، يفضل عدد من المستثمرين توجيه تركيزهم نحو الشركات الصينية الأكبر والأكثر رسوخًا، والتي انتهجت سياسات إنفاق أكثر انضباطًا في مجال الذكاء الاصطناعي مقارنة ببعض نظرائها في الولايات المتحدة. ويوصي الخبراء المستثمرين باتباع نهج انتقائي دقيق، مع التركيز على الشركات القادرة على الاستفادة المباشرة من مساعي الصين لتحقيق الاستقلال في مجالي الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات.
ويرى كثير من المستثمرين أن أسهم الذكاء الاصطناعي الصينية تمثل أداة فعّالة لتنويع المخاطر، وفرصة محسوبة للاستفادة من التحولات الجارية في سباق التكنولوجيا العالمي.

