قصة البقالات والتوصيل في العاصمة السعودية الرياض، وبعض المدن، قديمة متجددة، إذ كانت البقالات أول من أسس مفهوم إيصال الطلبات للزبائن قبل أن يتحول الأمر مع التحولات التكنولوجية الأخيرة إلى قطاع قائم بذاته يطلق عليه اسمه "توصيل الطلبات".
واليوم تواجه البقالات التقليدية التي ينسب لها ابتكار توصيل الطلبات عبر دراجات نارية خطر ما صنعته قبل عقود، خصوصا في ظل تزايد أعداد البقالات الإلكترونية التي بدأت في سحب البساط - نوعا ما، منها، ما يدفع للسؤال: هل تستمر البقالة التقليدية أمام هذه الموجة الإلكترونية رغم صمودها أيضا لعقود أمام الميني والسوبرماركت والهايبر؟
وتشهد سوق البقالات الإلكترونية في السعودية موجة توسع جديدة مع إطلاق علامات تجارية سعودية مثل "نعناع" و"نينجا"، ودخول منافسين أجانب على رأسها عملاق التجارة الإلكترونية أمازون الأمريكية، وشركة التنين الصيني "كيتا" وغيرها.
ويواجه قطاع البقالات التقليدية تحديا متسارعًا يتمثل في مواكبة التحول الرقمي للحفاظ على الحصة السوقية ومنع انتقال العملاء نحو المنصات الإلكترونية الأكثر تطورًا وسرعة في التوصيل.

تراجع سجلات البقالات مقابل ارتفاع خدمات التوصيل
وبحسب وزارة التجارة السعودية في بيانات حصلت "الاقتصادية" عليها، تراجعت السجلات التجارية لنشاط البقالات بنسبة 4% خلال الربع الثالث من العام الجاري 2025، مقابل ارتفاع سجلات خدمات التوصيل عبر المنصات الإلكترونية بنسبة 13% على أساس سنوي.
ويعكس انخفاض السجلات إلى 3168 سجلًا ضغوطًا متزايدة على البقالات الصغيرة والمتوسطة نتيجة المنافسة من المتاجر الكبرى والمنصات الإلكترونية، إلى جانب ارتفاع التكاليف التشغيلية وتغير عادات المستهلكين الذين باتوا يفضلون التسوق الرقمي.
في المقابل، ارتفعت سجلات تقديم خدمات التوصيل الإلكتروني إلى 953 سجلا بنهاية الربع الثالث من 2025، ما يؤكد التوسع المتسارع في الاقتصاد الرقمي والخدمات اللوجستية، مدفوعًا بانتشار التطبيقات المتخصصة وتزايد الطلب على السرعة والراحة في التسوق.
المنافسة في القطاع لم تعد مقتصرة على منصة أو اثنتين، فقد بدأت مع تطبيقات متخصصة مثل نعناع، ثم توسعت منصات المطاعم مثل هنقرستيشن وجاهز إلى المقاضي، فيما ظهرت حلول تعتمد على التوصيل الفائق السرعة عبر مستودعات داخل الأحياء.
المنافسة باتت لا تعتمد على الموقع أو حجم المتجر
وقال رئيس جمعية ملاك المطاعم والمقاهي في جدة، عبد الله السلامة، إن التحول الرقمي وتطبيقات التوصيل غيرت مشهد التجزئة في السعودية، مضيفا: "المنافسة باتت لا تعتمد على الموقع أو حجم المتجر، بل على الحضور الرقمي وتجربة العميل".
أضاف، أن التقييمات وسرعة التوصيل وجودة الخدمة أصبحت عوامل رئيسية تحدد بقاء المنشأة في السوق، مشيرا إلى أن المتاجر الصغيرة باتت قادرة على منافسة العلامات الكبرى إذا أتقنت التسويق الرقمي، ما يجعل النجاح اليوم مرهونا بفهم قواعد السوق الجديدة.
السلامة أشار إلى أن "التطبيقات لم تكتفِ بعرض المنتجات بل باتت تدرس سلوك المستهلك من خلال استخدام البيانات لتحسين التجربة، وتقديم عروض مخصصة ومحتوى يلائم رغباته ونمط استهلاكه، وبفضل هذا التخصيص تم بناء علاقة ثقة مع المنصات وليس العلامات التجارية فقط"
سلوك المستهلك تغيّر هو الآخر، إذ لم يعد التسوق الإلكتروني خيارًا إضافيًا، بل أصبح التركيز على سرعة التوصيل وجودة الخدمة وتجربة الاستخدام السهلة والعروض الترويجية والأسعار، وهو ما يحدد بقاء المستهلك أو انتقاله إلى منافس آخر.

سوق البقالات الإلكترونية بين 5.8 و6.2 مليار ريال
قدّرت تقارير دولية حجم سوق البقالة الإلكترونية في السعودية بين 5.8 و6.2 مليار ريال في عام 2024، مع توقعات بنمو يتجاوز %15سنويًا خلال العقد المقبل، بحسب تقرير Saudi Arabia Online Grocery Market Report 2024 الصادر عن IMARC Group.
من جانبه، قال المدير التنفيذي لشركة التطبيقات الدولية التابعة لبن داود القابضة، ماجد الطحان، إن "السوق يشهد نموا متسارعا مع إقبال متزايد من المستهلكين، ودخول منافسين جدد يعزز الابتكار ويدفع المتاجر التقليدية إلى تطوير خدماتها الرقمية".
وبحسب الطحان، فإن مستقبل المتاجر التقليدية سيكون تكامليًا، حيث تستمر الفروع إلى جانب التطبيقات لضمان تجربة شاملة، متوقعا أن "يتضاعف حجم السوق خلال 5 سنوات مع زيادة المنافسة على جودة الخدمة".
ويشير الطحان إلى أن إستراتيجية مجموعته تقوم على "النموذج الهجين، بدعم التطبيقات والحفاظ على قيمة الفروع.
المتاجر في موقف صعب إذا لم تواكب التحول الرقمي
ويبقى مستقبل بقالات الأحياء مطروحًا للنقاش، فهذه المتاجر التي اعتمدت عليها الأسر لسنوات قد تجد نفسها في موقف صعب إذا لم تواكب التحول الرقمي.
وفي هذا السياق، قال عبيد العنزي، الرئيس التنفيذي لتطبيق مستر مندوب، "على ضوء إطلاق مستر ماركت: إن المستهلك في البقالات لا يبحث عن علامة تجارية بعينها كما في المطاعم، بل يريد السرعة والقرب وأن البقالات الإلكترونية السحابية لن تلغي المتاجر التقليدية، لكنها ستعيد تشكيل المشهد وتفرض على الجميع التكيف".
أوضح أن توجه التطبيقات يسهم في بناء اقتصاد رقمي متين، ويضع بصمته كذراع لوجستي يعزز تنافسية السوق المحلية، بما يواكب مستهدفات رؤية السعودية 2030 في التحول الرقمي وتحسين جودة الحياة.


