لثاني مرة خلال عشر سنوات، يستعد مؤشر ستاندرد آند بورز 500، أحد أكثر مؤشرات الأسهم الأمريكية تمثيلاً للاقتصاد، للتخلي عن مكانته الراسخة أفضل مؤشر أداء في العالم.
مقارنة بعشرات مؤشرات الدول الأخرى، لا يعد الأداء السنوي لمؤشر ستاندرد آند بورز حتى الآن من بين أفضل 20 مؤشرا عالميا، ولا حتى 30 أو 40 مؤشرا.
مع عوائد سنوية بلغت 16% حتى يوم الإثنين، يحتل مؤشر ستاندرد آند بورز المركز 41 بين أكثر من 60 مؤشرا للأسهم حول العالم، وفقاً لتحليل أجرته شبكة "إن بي سي نيوز".
ورغم هذا الأداء المتراجع نسبيًا، فإن الشركات المدرجة في المؤشر أضافت أكثر من 7.7 تريليون دولار من القيمة السوقية خلال العام، وهو رقم يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لأي دولة في العالم باستثناء الولايات المتحدة والصين. كما تختار ما يزيد على 5400 شركة إدراج أسهمها في بورصتي نيويورك وناسداك، ما يجعل الولايات المتحدة الوجهة الأولى للشركات العامة باستثناء الصين.
ومع ذلك، فإن الأداء النسبي للمؤشر هذا العام يعد استثنائيا مقارنة بالسنوات الماضية، إذ يتجه نحو التراجع أمام بقية أسواق العالم للمرة الثانية فقط منذ 2017. فعند مقارنته بمؤشر إم إس سي آي للأسواق العالمية باستثناء الولايات المتحدة، يظهر أن ستاندرد آند بورز 500 يتخلف بأكثر من 10%.
3 عوامل تقلق المستثمرين
يعكس هذا الفارق في الأداء حالة عدم اليقين التجاري التي ألقت بظلالها على الاقتصاد الأمريكي منذ بدأ الرئيس دونالد ترمب ولايته الثانية في يناير 2025. أدت سياسات الرسوم الجمركية المتقلبة إلى دفع المستثمرين نحو البحث عن فرص أكثر استقرارا وأمانا خارج الولايات المتحدة. كما فاقم الدين الأمريكي، وضعف الدولار، وهجمات ترمب على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، قلق المستثمرين.
بعد فوز ترمب في انتخابات 2024، شهدت الأسهم بداية قوية لهذا العام، وبلغت الأسواق مستويات قياسية في منتصف فبراير. لكن في 3 أبريل، أعلن ترمب الرسوم الجمركية، وخسر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أكثر من 5.8 تريليون دولار من قيمته خلال أيام. وبعد أن أعلن الرئيس في 9 أبريل عن تعليق الرسوم الجمركية، ارتدت الأسواق بقوة مسجلة ثالث أكبر مكاسب يومية في تاريخها.
وحاليا، تنظر المحكمة العليا في قانونية أجندة ترمب التجارية، التي قد تسفر عن تعويضات مالية ضخمة للشركات المستوردة إذا خسر البيت الأبيض القضية، وهو ما قد يجبر وزارة الخزانة على إصدار ديون جديدة.
طفرة الذكاء الاصطناعي تنعش الأسواق الأمريكية
ورغم التوترات التجارية، أنعشت طفرة الذكاء الاصطناعي الأسواق الأمريكية. فقد تدفقت تريليونات الدولارات إلى هذا القطاع، وارتفعت تقييمات شركات مثل "إنفيديا"، و"أبل"، و"أمازون"، و"ألفابت" إلى حدود 5 تريليونات دولار لكل منها.
وفي الولايات المتحدة، تتداول حاليا تسع شركات تتجاوز قيمتها تريليونا. لكن هذا الارتفاع لم يمنع المؤشر الأوسع من التخلف عن نظرائه عالميا.
ففي حين يتوقع أن تحقق الشركات السبع الكبرى في قطاع التكنولوجيا نمو 15% في أرباحها للربع الثالث، فإن الـ 493 شركة الأخرى في المؤشر لن تتجاوز 6.7%.
ويعلق روجيه كوادفليج، الخبير الاقتصادي في بنك "أيه بي إن آمرو"، قائلًا: "الاقتصاد الأمريكي يسير بسرعتين مختلفتين: قطاعات الذكاء الاصطناعي مزدهرة، بينما البقية راكدة أو متراجعة".
في الجانب الآخر من العالم، حتى يوم الإثنين، احتفظ مؤشر كوسبي الكوري الجنوبي بالمركز الأول. وقد حقق المؤشر، الذي يتداول في بورصة كوريا، عائدًا يقارب 70% هذا العام، مدعوما بانتعاش صادرات الرقائق الإلكترونية والدفاع.
وفي مقالة كتبتها دينا تينج من مؤسسة "فرانكلين تيمبلتون": "في حين تظل صادرات أشباه الموصلات المحرك الرئيسي للنمو في كوريا، فإن البلاد تبرز أيضا بصفتها مصدرا هائلا للأسلحة الدفاعية".
وبعد كوريا الجنوبية، جاءت دول مثل كينيا ونيجيريا وتشيلي وبولندا وباكستان وإسبانيا والتشيك والأردن ضمن المراكز العشرة الأولى. ولا يظهر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلا بعد 40 مركزا في الترتيب.
من بين العوامل التي وسعت فجوة الأداء بين الأسواق الأمريكية والعالمية هو هبوط قيمة الدولار. فمنذ بداية 2025، انخفض مؤشر الدولار - الذي يقيس قوته مقابل عملات مثل اليورو والين والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري والدولار الكندي – نحو 9%.
وفي هذا السياق، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد في مقابلة مع شبكة "سي بي إس نيوز": "جاذبية الدولار بدأت تتآكل"، محذرة من أن "هيمنة العملة الأمريكية قد تتراجع بمرور الوقت ما لم تحافظ واشنطن على مؤسسات قوية ومصداقية جيوسياسية".
لكن ديفيد سولومون، رئيس "جولدمان ساكس"، يرى عكس ذلك، مؤكدا أن الدولار "لا يزال عملة الاحتياط العالمية، ولا توجد تهديدات جوهرية لمكانته في الوقت الحالي".

