تمثل قيود التصدير الصينية الجديدة مسعى واسع المدى للسيطرة على التجارة العالمية، من السيارات ورقائق الحاسوب إلى الدبابات والطائرات المقاتلة، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" التي اعتبرت في مقال أن هذه القيود تشعل فتيل حرب تجارية جديدة، ليس في مواجهة الولايات المتحدة فقط، بل أوروبا أيضا.
اللوائح الجديدة، التي تدخل حيز التنفيذ تدريجيا في الثامن من نوفمبر والأول من ديسمبر وتشمل جميع دول العالم، تعزز نفوذ الصين على الصناعات التحويلية الحيوية، في وقت تتزايد فيه الانقسامات التجارية الدولية، وفقا للصحيفة الأمريكية.
القيود الصينية الجديدة دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى التهديد يوم الجمعة الماضي بفرض رسوم جمركية جديدة نسبتها 100% على الواردات القادمة من الصين، اعتبارا من أول نوفمبر المقبل.
توسع في فرض القيود
توسع القواعد الجديدة القيود التي تفرضها الصين منذ أبريل الماضي على تصدير المعادن الأرضية النادرة. فوفقا لسلسلة إعلانات صدرت يوم الخميس الماضي، اتسعت مظلة القيود لتشمل صادرات بكين من المحركات الكهربائية والرقائق وغيرها من الأجهزة التي أصبحت أساسية في الحياة العصرية.
هذه المنتجات، تصنع الآن بشكل رئيسي في الصين، وكذلك الحال بالنسبة إلى المعادن الأرضية النادرة والمغناطيسات المصنوعة من تلك المعادن.
تحظر اللوائح تصدير المواد أو المكونات المستخدمة في المعدات العسكرية من الصين إلى أي دولة، بينما يتطلب عديد من الأسلحة معادن وسلعا نادرة من إنتاج الصين.
من بين المواد المحظورة المحركات الكهربائية الصغيرة والقوية المستخدمة في إنتاج الصواريخ والطائرات المقاتلة، والمواد المستخدمة في أجهزة تحديد الأهداف في الدبابات والمدفعيات.
صدى جيوسياسي في أوروبا
قرار بكين فرض حظر شامل على صادرات المواد المستخدمة في الأغراض العسكرية أثار قلقا بالغا في الغرب وأحدث صدى جيوسياسيا في أوروبا، في وقت تتسابق فيه دول المنطقة لتعزيز دفاعاتها العسكرية في مواجهة روسيا.
يخشى الغرب أن القيود تحمل معها احتمالية تقويض مساع لتزويد أوكرانيا بأسلحة أوروبية وإعادة بناء جيوشها.
جاي تروسديل، الرئيس التنفيذي لشركة "TD International" الاستشارية، الذي عمل في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على سياسات المعادن المهمة اعتبر القرار الصيني يمثل ولوجا إلى "مرحلة جديدة من الصراع الاقتصادي".
تعني القواعد الصينية الجديدة أن الشركات غير العاملة في تصنيع الأسلحة ملزمة بالحصول على تراخيص تصدير من وزارة التجارة الصينية لنقل المنتجات ذات المحتوى الصيني عبر أي حدود وطنية حول العالم.
قطاع السيارات ثاني أكبر المتضررين
كان المسؤولون في بكين قد عارضوا بشدة الرسوم الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على السيارات الكهربائية القادمة من الصين، ورأى بعض الخبراء ضوابط التصدير تعبيرا جديدا عن استياء بكين.
يرى المختصون في صناعة المعادن النادرة أن قطاع صناعة السيارات العالمي هو ثاني أكبر المتأثرين بقواعد الصين الجديدة.
آلاف الشركات المنتجة لمكونات السيارات كانت قد تأثرت كثيرا باشتراطات أبريل الماضي، التي نصت على أن عديدا من أنواع المغناطيسات المصنوعة من المعادن النادرة في الصين لا يمكن تصديرها خارج البلاد بدون الحصول على تراخيص.
ويمكن أن تحتوي سيارة واحدة تعمل بالبنزين على أكثر من 40 مغناطيسا مختلفا من المعادن الأرضية النادرة داخل المحركات الكهربائية التي تشغل الفرامل والمقاعد ونظام التوجيه والنوافذ وغيرها من الأنظمة.
السيارات الكهربائية على وجه الخصوص تحوي عددا أكبر من هذه المغناطيسات، التي تُستخدم لتحريك العجلات.
واجه منتجو قطع غيار السيارات الأمريكيون والأوروبيون أشهرا من التأخير في الحصول على تراخيص التصدير. وقد بدأت الصين بإصدار التراخيص، لكن العملية كانت بطيئة ومعقدة، بحسب مسؤولي الصناعة.
الصين تسد ثغرات أبريل
صاغت الصين لوائح المعادن الأرضية النادرة على غرار قواعد التجارة الأمريكية المتعلقة ببعض أقوى الرقائق في العالم. بيد أن أن المعادن الأرضية النادرة تستخدم على نطاق أوسع من تلك الرقائق.
كثير من مصنّعي مكونات السيارات أوقفوا عمليات تجميع المحركات الكهربائية خارج الصين، والتي كامت تستخدم فيها مغناطيسات مصنوعة من المعادن الأرضية النادرة في الصين. هؤلاء المصنعون لجأوا بدلا من ذلك إلى شراء محركات كهربائية كاملة من الصين، لتجاوز القيود.
لكن أحدث اللوائح الصادرة من وزارة التجارة الصينية قد تمنع هذا الحل البديل.
تشمل القواعد تقريبا أي منتج تُشكل فيه المعادن الأرضية النادرة نسبة 0.1% أو أكثر من قيمته، ما يعني أنها لا تشمل المغناطيسات فحسب، بل أيضا المحركات الكهربائية، والأنظمة الأكبر حجما التي تحتوي على محركات كهربائية بداخلها مغناطيسات من المعادن الأرضية النادرة.
على سبيل المثال، أغلى مكونات مقاعد السيارات هي المحركات التي تُضبطها. وأغلى القطع في هذه المحركات هي مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة.
مهمة شاقة لتأمين سلاسل الإمداد
تُطبق القواعد الجديدة على أي شحنات تعبر الحدود الصينية. وتواجه شركات صناعة السيارات الأوروبية خاصة مهمة شاقة في الحصول على تراخيص تصدير صينية لنقل قطع غيار السيارات داخل أوروبا.
في الآونة الأخيرة، حاولت شركات عدة الحد من اعتمادها على الصين، عبر شراء المعادن النادرة ومغناطيساتها من عدد قليل من المنتجين خارج الصين.
لكن أحدث لوائح بكين تؤكد أيضا على سلطتها على جزء كبير من هذا الإنتاج. فالقواعد تنص على أن أي منتجات مرتبطة بالمعادن الأرضية النادرة تصنّع خارج الصين باستخدام تكنولوجيا صينية، تخضع أيضا لقواعد الرقابة على الصادرات الصينية.
دأبت مصانع معالجة المعادن الأرضية النادرة ومصانع المغناطيسات في أنحاء العالم على شراء المعدات الصينية على مدار الـ 20 عاما الماضية.
وأغلق عديد من موردي المعدات في أمريكا الشمالية وأوروبا أبوابهم، عندما انتقل معظم تعدين المعادن الأرضية النادرة في العالم إلى الصين في أواخر التسعينيات.