وسط زحام معرض الرياض الدولي للكتاب لا تتحرك الصفحات بين يدي القراء فحسب، بل يتحرك معها اقتصاد سوق النشر والطباعة والكتب، وتتحول أيام المعرض إلى موسم اقتصادي مصغر ينعش صناعة النشر السعودية، وفقا لما ذكره لـ"الاقتصادية" ناشرون ومؤلفون.

لم تكن حركة الشراء مقتصرة على الزوار فحسب، بل امتد أثر المعرض إلى المؤلفين أنفسهم، الذين لمسوا تزايدا ملحوظا في الإقبال على كتبهم هذا العام، ويقول إبراهيم سرحان، مؤلف كتاب «شداد لسباقات الهجن التقليدية وثقافة البادية في تبوك»، إن الانطباعات الإيجابية من دار النشر تشير إلى “إقبال طيب ولافت من الزوار المحليين والدوليين”، مضيفا أن الحضور الأجنبي بات يبدي “شغفا كبيرا بموضوع الإبل، ربما أكثر من الجمهور المحلي الذي اعتادها”. ويتابع سرحان أن طبيعة كتابه الفنية جعلت الطبعة الورقية جزءا أساسيا من التجربة، معتبرا أن الزحام في أروقة المعرض “دليل على أن الكتاب الورقي لا يزال يحتفظ بألقه وجماله رغم انتشار البدائل الرقمية”.

الكويتي مشاري علي بودريد، صاحب رواية «لأن الله يدري» يرأن الإقبال هذا العام "ممتازا" مشيرا إلى أن "الورقي عاد ليكون في الصدارة" بعد تراجع موجة القراءة الرقمية. ويضيف بودريد أن تجربته في معارض الشرق الأوسط خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة ترجح أن 70% من القراء في المنطقة يفضلون النسخ الورقية.

الكاتب حاتم الشمري من منطقة حائل، صاحب كتاب «السفر إلى العلماء قبل 1200 سنة»، فقد وصف الإقبال على جناحه بأنه “غير مسبوق”، موضحا أن عدد الزوار اليومي يراوح بين 800 وألف قارئ وقال الشمري بابتسامة: إن “3 من أقلامي خلص حبرها من كثرة التوقيع” معتبرا أن “القراءة الورقية تشبه لعبة البلوت أو الشطرنج، لا متعة لها عبر الهاتف” ويقدر أن نحو 80% من القراء يفضلون الورقي مقابل 20% فقط يقرؤون رقميا لأن “القراءة في الواقع دائما أجمل وأقرب للإحساس الحقيقي”.

اقتصاديا، ذكر عدد من ممثلي دور النشر أن تكلفة إنتاج الكتاب الواحد تتراوح بين 25 و30 ريالا وفقا لنوعية الورق والتصميم، فيما تصل نسبة ربح الكاتب من مبيعات كتابه إلى ما بين 5% و40% تبعا لشهرة المؤلف وعدد النسخ المطبوعة.

كما أوضح ناشر آخر أن أحد الكتاب قام بطباعة 8 آلاف نسخة من كتابه الجديد خلال فترة المعرض، وهو رقم يبرز ثقة المؤلفين المتزايدة في قوة السوق السعودية وقدرة القارئ المحلي على دعم الكتاب كمشروع ثقافي واقتصادي في آن واحد.

وفي الجهة المقابلة من الأرفف بدت حركة الشراء بين الزوار لافتة هذا العام، مع تفاوت في معدلات الإنفاق لكنها جميعها تعكس ارتفاعا في حجم الطلب داخل المعرض يقول أحد الزوار المهتمين بالكتب الثقافية إنه اشترى 8 عناوين هذا العام بمبلغ يقارب 450 ريالا، مشيرا إلى أن الأسعار ارتفعت بنسبة بسيطة لا تتجاوز 10% مقارنة بالعام الماضي. فيما ذكرت طالبة جامعية أنها خصصت ميزانية بـ300 ريال لكنها تجاوزتها بسبب «العروض المغرية والتخفيضات التي وصلت إلى نحو 20% في بعض الدور» أما قارئ آخر يهوى كتب التنمية الذاتية، فأوضح أنه صرف نحو 600 ريال، لافتا إلى أن «أسعار بعض الكتب زادت نحو 15%».

في الجانب الأسري، رأت إحدى الأمهات أن إنفاقها البالغ 350 ريالا على كتب الأطفال «استثمار في المعرفة أكثر من كونه صرفا»، بينما أشار زائر من جدة إلى أنه خصص ميزانية بألف ريال تقريبا مؤكدا أن «أسعار الكتب الأجنبية داخل المعرض أقل بنحو 20% من المتاجر الإلكترونية».