"إذا تعلمت شيئا، فهو أن الأفكار الجريئة موجودة في كل مكان، مختبئة أمام أعيننا، يكفي أن يكون هناك شخص واحد متحمس بما يكفي ليكرس حياته لتحويلها إلى واقع"، بهذه الكلمات تحدث شين كوبلان المغامر ذي 27 عاما الذي أضحى، في مؤشر "بلومبرغ للمليارديرات"، أصغر ملياردير عصامي بعدما كان عاجزا عن دفع إيجار شقته في نيويورك.

ترك كوبلان جامعة نيويورك مبكرا ليلاحق أحلامه في عالم العملات الرقمية التي قادته إلى الإفلاس، بسبب الاحتيال المنتشر في سوق هذه العملات.

قرر كوبلان عكس القاعدة، فبدلا من الانسحاب بهدوء من هذه السوق، شرع في التفكير في طريقة تجمع بين الذكاء الجماعي والشفافية بعيدا عن أساليب الاحتيال والخداع.

وصف هذا الاختيار العجيب في أحد حواراته بقوله: "الاحتيال المنتشر في سوق العملات الرقمية لم يكن نهاية الطريق، بل بداية التفكير في بناء نظام أكثر شفافية يعتمد على التنبؤ بدلا من الخداع".

عام 2019 بدأ كوبلان في البحث عن أفكار تساعده على تطوير حلمه، فتقاطع مع طروحات الاقتصادي الأمريكي روبن هانسون حول "أسواق التنبؤ" التي كانت بمثابة الأسس النظرية التي استند عليها لإطلاق مشروعه الخاص.

صيف 2020 مع تفشي جائحة كورونا، أطلق الشاب من حمام شقته منصة باسم "بوليماركت" (Polymarket)، تتيح للمستخدمين استثمار معارفهم ومتابعتهم الدقيقة للأحداث (السياسية والاقتصادية...) للتنبؤ والرهان حول نتائج الأحداث الواقعية، ما أضفى على المنصة مصداقية أكثر في عالم يحكمه الاحتيال وفقدان الثقة.

هذا النهج غير المألوف في أسواق التنبؤ جعل المنصة تصطدم مع هيئة تداول السلع الأمريكية "CFTC"، بعد اتهام الأخيرة للأولى بتقديم خدمات تداول غير قانونية. وجد كوبلان نفسه مجبرا على دفع غرامة قدرها 1,4 مليون دولار مقابل تسوية القضية.

أداء "بوليماركت" المزدهر، إذ شهدت تداولات فاقت 3,6 مليار دولار، لم يوقف متاعب الشركة مع السلطات، ففي نوفمبر 2024 داهم عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي منزل كوبلان وسط مدينة نيويورك، واكتفوا بمصادرة أجهزته الإلكترونية، بدعوى عدم تسجيلها كمنصة تداول رسمي.

واقعة اعتبرها المتحدث باسم الشركة انتقاما سياسيا واضحا من الإدارة الأمريكية ضد المنصة لتوفيرها سوقا توقعت بشكل صحيح نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2024، فقد اكتسب الموقع شهرة واسعة نظير إبرازه أن فرص ترمب أعلى من هاريس، خلافا لما يشاع في استطلاعات الرأي.

تلاحق التوترات دفع "بولي ماركت" إلى الاستحواذ على "QCEX"، وهي بورصة وغرفة مقاصة معترف بها من طرف "CFTC"، مقابل 112 مليون دولار، ما وفر لها الشرعية والغطاء القانوني للعمل في الولايات المتحدة.

شكل استثمار شركة "ICE" المالكة لبورصة نيويورك، في منصة "بوليماركت" بقيمة ملياري دولار بناء على تقييم سوقي وصل إلى 9 مليارات دولار، منعطفا في مسار الشركة، فتح الباب أمام تحول إستراتيجي ضخم أدخل كوبلان رسميا إلى نادي المليارديرات.

اعتبر كوبلان هذه الشراكة "خطوة كبرى إلى الأمام"، وبدأ يرسل إشارات تنبئ بأنه بصدد تحويل "بوليماركت" لأكثر من مجرد منصة توقعات، فمطلع أكتوبر الجاري غرد عبر حسابه في إكس قائلا: "إنها بداية فصل جديد"، مصحوبة بقائمة من العملات الرقمية، في إشارة إلى إمكانية إطلاق العملة الرقمية "POLY"، ما يعني ثورة في الأسواق التنبؤية مستقبلا.  

من فوق سلة غسيل في الحمام كمكتب مؤقت إلى منصة بـ 1,3 مليون مستخدم، وحجم تداول تراكمي تجاوز 18 مليار دولار، هكذا استطاعت "بوليماركت" أن تصبح مثالا عن تحويل فكرة ناشئة إلى شركة بمليارات الدولارات تستعد للتوسع نحو الأسواق الكبرى في العالم.

رغم الصعاب والتحديات والمشاكلات نجح كوبلان في تحويل الحلم إلى حقيقة غيرت حياته، "من فكرة اعتبرها العالم الخارجي عبثا، إلى ابتكار فئة منتجات جديدة كليا، شاهدت رؤيتنا تتحقق أمام عيني".