عندما أعلن دونالد ترمب عن رسوم يوم التحرير في أبريل، توقع اقتصاديون حدوث صدمة عالمية: تقليل الولايات المتحدة مشترياتها من العالم، ما يقلل الصادرات والوظائف.

والآن، بحسب ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" يرفع بعض هؤلاء الاقتصاديين توقعاتهم للنمو العالمي.

أحد الأسباب الرئيسية: ما سلبته الحكومة الأمريكية برسومها الجمركية، أعادته صناعة التكنولوجيا الأمريكية عبر موجة إنفاقها على الذكاء الاصطناعي.

في أكتوبر، قدرت منظمة التجارة العالمية أن حجم التجارة العالمية للبضائع سينمو 2.4% هذا العام، بزيادة عن توقعاتها في أغسطس البالغة 0.9%. وفي أكتوبر أيضا، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو العالم لعام 2025 إلى 3.2%، بزيادة عن 2.8% بعد إعلان ترمب عن الرسوم الجمركية.

وأشار كلا من الصندوق والمنظمة إلى أن رفع التوقعات يعزى جزئيا إلى الثروة التي تستثمرها شركات التكنولوجيا في الذكاء الاصطناعي هذا العام. تُنفق أمازون وجوجل وميتا ومايكروسوفت وحدها نحو 400 مليار دولار هذا العام على النفقات الرأسمالية، معظمها على الذكاء الاصطناعي. 

لكن هذه المؤشرات لا تسرد القصة كاملة. فبينما يدعم الذكاء الاصطناعي التجارة والنمو العالميين، فإن ذلك يحدث بشكل غير متساو، ومن المرجح أن يتفاقم أثر الرسوم الجمركية.

تُمثل الولايات المتحدة ربع الاقتصاد العالمي. وقد مثلت استثمارات الذكاء الاصطناعي - في المعدات ومراكز البيانات والبحث والتطوير، على سبيل المثال - ما يصل إلى نصف نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في النصف الأول من 2025.

وبعيدا عن قوتي الذكاء الاصطناعي الرئيسيتين، "الولايات المتحدة والصين"، فإن الإنفاق على البنية التحتية التكنولوجية يُفيد بشكل رئيسي بعض المناطق التي تعد جزء من سلسلة توريد الذكاء الاصطناعي المتخصصة.

لنأخذ تايوان كمثال، مركز التصنيع العالمي لأكثر رقائق الذكاء الاصطناعي تطورا. دفع شغف الأمريكيين بأشباه الموصلات هذه مؤسسة IMA Asia، التي تُدير منتديات لكبار المديرين التنفيذيين، إلى رفع توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لتايوان إلى 7% هذا العام، ارتفاعا من تقديراتها البالغة 4.4% في الربع السابق.

قالت المؤسسة: إنها حالة فريدة من نوعها، حيث من المتوقع أن ترتفع النفقات الرأسمالية لتايوان على المصانع والمعدات 30% هذا العام، مقارنة بزيادة قدرها 13% في العام الماضي. ولكن حتى مع دعم الإنفاق على الذكاء الاصطناعي للأرقام الاقتصادية للجزيرة، لا يزال طلب المستهلكين منخفضا وتكافح الصناعات الأخرى.

ومن المستفيدين أيضا من طفرة الذكاء الاصطناعي كوريا الجنوبية، التي تهيمن على قطاع تصنيع رقائق الذاكرة ضمن سلسلة توريد الذكاء الاصطناعي، وهولندا، موطن الشركة الرائدة في معدات تصنيع الرقائق ASML.

قال أوريانو ليزا، المتداول في أسواق CMC، بأن آسيا شكلت ما يقارب ثلثي نمو التجارة العالمية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في النصف الأول من 2025: "تتركز الفوائد بشكل كبير في اقتصادات التصنيع المتقدمة".

لم يتم إبطال آثار التعريفات الجمركية، بل تم تأجيلها فقط. وتلقت الشركات التي انتبهت لما قاله ترمب خلال حملته الانتخابية وفي أوائل ولايته الثانية تحذيرا كافيا قبل إعلان التعريفات الجمركية في أبريل. استبق المستوردون والمصدرون فرض الرسوم الجمركية، وسارعوا إلى شحن البضائع إلى الولايات المتحدة قبل سلسلة من المواعيد النهائية. وقد عزز ذلك التجارة هذا العام.

كبير الاقتصاديين في بنك سنغافورة، منصور محي الدين، قال: "من السابق لأوانه القول إن الرسوم الجمركية كان لها تأثير أقل مما كان متوقعا (...) ما يحدث هو أن التأثير قد تأخر".

مع دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ وتناقص المخزونات المجهزة مسبقا، يتوقع الاقتصاديون أن تمرر الشركات تكاليف الرسوم الجمركية إلى المستهلكين وأن تُقلل من صادراتها إلى الولايات المتحدة.

تعكس توقعات منظمة التجارة العالمية هذا الوضع: فبينما رفعت توقعاتها لعام 2025، خفضت توقعاتها لعام 2026 لنمو حجم التجارة العالمية للبضائع إلى 0.5%، بعد أن كانت تقديراتها في أغسطس 1.8%.

قد لا تكون هاوية الرسوم الجمركية نتيجة حتمية. إذ تبني سياسات بعض من أكبر حكومات العالم شبكة أمان.

يتوقع الاقتصاديون أن يُعزز قانون One Big Beautiful Bill Act الذي دافع عنه ترمب الاقتصاد الأمريكي على المدى القصير من خلال تمديد التخفيضات الضريبية، مع زيادة العجز الفيدرالي. وهذا قد يزيد من الواردات.

علاوة على ذلك، قال محي الدين إن ألمانيا تحقق تحولا تاريخيا من التقشف إلى الإنفاق. كما وافقت اليابان على حزمة تحفيز بقيمة 135 مليار دولار لتعزيز النمو الاقتصادي.

هذا الدعم، إلى جانب ضعف الدولار واحتمال خفض الفائدة، يعني أن الاقتصاد العالمي قد يبقى صامدا في 2026، شريطة ألا تتلاشى طفرة الذكاء الاصطناعي. وأضاف محي الدين: "لا تزال بيئة المستثمرين مواتية".