لو عدت بساعة الزمن إلى الثمانينيات والتسعينيات الميلادية وسألت فتاة من فتيات العاصمة السعودية الرياض مقبلة على الزواج: من أين ستشتري فستان الزفاف؟ ستكون الإجابة: من شارع المتنبي.
الشارع الكائن في قلب الحي الشهير الملز ظل طوال عقدين من الزمن، يوصف بـ "خط الزفاف الأبيض"، حيث كانت تنتشر على جنباته المحال المتخصصة في حياكة وبيع فساتين الزفاف، قبل أن تتوسع الرياض شرقا وغربا وجنوبا وشمالا بمراكز تسوق أقرب لمن ترغب في الشراء، قبل أن تدخل على خط المنافسة المحتدمة المواقع الإلكترونية التي أكلت الأخضر واليابس.
واليوم تحول الشارع إلى ذكرى بعد أن تغيرت تركيبته التجارية مع إغلاق عديد من المحال، وتحول بعضها إلى أنشطة أخرى، بعد اتساع الرياض، والأهم – بحسب العارفين - قرار تأنيث المحال النسائية الذي تسبب في مغادرة الخياطين والعاملين فيها.
ويوضح منصور العساف الباحث في التاريخ الاجتماعي أن ذروة نشاط الشارع كانت بين عامي 1980 و1990، مضيفا: "حينها كان شارعًا نابضًا بالحياة، تغلب عليه محال فساتين الأفراح إلى جانب متاجر الأقمشة والخياطين".
ويرى العساف أن تحويل الشارع إلى ممر للمشاة وتزيينه أسهم في تقليص دوره، بالتوازي مع انتقال شريحة واسعة من المتسوقين إلى مراكز حديثة مثل أسواق العقارية والجوهر والشعلة.
مع هذا التحوّل، تقلص عدد محال الفساتين، وأغلب التعاملات أصبح مقتصرا على العملاء القدماء، بحسب ما ذكره أحد العاملين من الجنسية الهندية، التقته "الاقتصادية" خلال جولة ميدانية في الشارع.

ويبلغ عدد سجلات المحال النسائية ومستلزماتها – من بينها محال بيع وتأجير فساتين الزفاف - في السعودية 3784 سجلا، إضافة إلى 3651 سجلًا لصناعة الملابس النسائية الجاهزة، بحسب بيانات وزارة التجارة السعودية حتى سبتمبر من 2025.
ويقول مصمم الأزياء معتز الناصري الذي عمل في أحد محال بيع فساتين الزفاف لمدة 14 عاما، "إن أسعار الفساتين خلال تلك المرحلة كانت تراوح بين 2500 و3500 آلاف ريال"، مبينا أن الفساتين ذات التصاميم العالمية كانت الأعلى بأسعار تبدأ من 7 آلاف ريال وتصل إلى 12 ألف ريال.
ويوضح الناصري أن المعيارين الأساسيين لتحديد سعر الفستان يرتبطان بالتصميم ومدة التنفيذ، مضيفا: "ونجس نبض الزبون إذا شعرنا أنه يقدر يدفع أكثر".
ضجيج شارع المتنبي لم يكن مقتصرا على عرائس العاصمة بل كان يشهد حضور فتيات من مدن سعودية أخرى لاقتناء فستان الليلة الحلم، ومن بعض الدول الخليجية مثل الكويت والإمارات، وفقا لحديث الناصري.
ويرى الناصري أن تراجع السوق يعود إلى تحوّلات تنظيمية في السوق المحلية، مثل التأنيث في المحال المتخصصة للنساء، مؤكدا أن النشاط ما زال قائمًا، لكن العاملين فيه توزعوا على مواقع مختلفة، ولم يعد الشارع الذي يحمل ذكريات الماضي القريب يجمعهم.
الشاهد أن شارع المتنبي الشاعر العربي المثار حول حالته الاجتماعية جدل عن زواجه من عدمه، رغم مفارقته الحياة في القرن التاسع الميلادي، تحول من اللون الأبيض ممثلا في فساتين الفرح والسعادة، إلى اللون الأصفر، بعد أن أصبحت غالبية المحال تبيع سترات السلامة.

