لم يبدُ نموذج أعمال "تراي كولور هولدينغز" (Tricolor Holdings) مستقراً منذ البداية، إذ كانت شركة إقراض السيارات التي تتخذ مقراً في إيرفينغ بولاية تكساس، متخصصة في قروض السيارات عالية المخاطر- أي إقراض أناس لا يُرجح نسبياً أن يسددوا قروضهم. من يتصفح موقع "تراي كولور" الإلكتروني بعد أكثر من شهر على انهيارها العلني سيجد عليه العبارة التالية:"هل سجلك الائتماني سيئ؟ لا تقلق؟".
روّجت الشركة لنفسها بين المهاجرين غير المسجلين- حتى مع توعد الرئيس دونالد ترمب بتنفيذ "أكبر عملية ترحيل في تاريخ أميركا". إذا كنت بحاجة إلى دليل آخر على الفوضى الكامنة، فقد كشف تحقيقٌ نُشر عام 2022 أن الشركة المقرضة كانت تبيع سيارات معيبة وتفرض أسعاراً أعلى من السوق، ما أثار غضب عملائها الرئيسيين وشعورهم بالخداع.
نظراً لهذه الاستراتيجية التجارية المتعثرة، قد يعتقد المرء أن انهيار "تراي كولور" في سبتمبر وإشهار إفلاسها لم يكن ليلقى بالاً لدى وول ستريت، ولن يستحق سوى نظرة عابرة.
مع ذلك، اتضح أن بعضاً من أكبر الأسماء في عالم التمويل، بما في ذلك ”جيه بي مورغان تشيس آند كو“ و“باركليز“، قد أقرضت الشركة معاً مئات الملايين من الدولارات. وبعد ظهور أدلة على استخدام شركة ”تراي كولور“ نفس السيارات كضمان لقروض متعددة -وهي ممارسة تُعرف باسم "الرهن المزدوج"- لم يكن واضحاً ما إذا كانت الجهات المقرضة الكبرى ستسترد أموالها.
هل هناك مزيد من الصراصير مختبئة؟
ما يثير القلق حقا هو أن ”تراي كولور“ لم تكن وحدها فبعد انهيار الشركة بفترة وجيزة، أعلنت مجموعة ”فيرست براندز“ (First Brands Group)، مورد قطع غيار السيارات، إفلاسها بعد أن أثار المستثمرون مخاوف بشأن اعتمادها على قروض قصيرة الأجل لم تظهر في ميزانيتها العمومية.
بعد فترة وجيزة، كشف مصرفا ”زايونس بانكورب“ (Zions Bancorp) و“ويسترن ألاينس بانكورب“ (Western Alliance Bancorp) الإقليميان عن تعرضهما لعمليات احتيال مزعومة من دائنين، ما أدى إلى انخفاض مفاجئ في أسهمهما. وفي اليوم نفسه، وُجهت إلى المؤسس المشارك لشركة الاستثمار ”777 بارتنرز“ (777 Partners) في ميامي تهمة الاحتيال والتآمر بتهمة التعهد المزدوج بقروض. والقائمة تطول.
أطلق جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك ”جيه بي مورغان“، على هذا التوجه اسماً في منتصف أكتوبر، خلال مكالمة أرباح الربع الثالث للبنك، والتي أقرّ فيها البنك بتكبده خسارة قدرها 170 مليون دولار بسبب انكشافه على ”تراي كولور“. قال ديمون للمحللين: "ربما لا ينبغي لي أن أقول هذا، ولكن عندما ترى صرصاراً واحداً، فقد يكون هناك المزيد".
بالنسبة للبعض، كان تشبيه ديمون مبالغاً فيه. وقد استشاط قادة مؤسسات الائتمان الخاصة غضباً على وجه الخصوص- ربما في موقف دفاعي بعد سنوات من الانتقادات لتحملهم ديوناً محفوفة بالمخاطر مع قلة الشفافية أو الرقابة.
هل نشهد تكراراً لأزمة عام 2023؟
تصرّ البنوك الإقليمية أيضاً على أن الضربات الائتمانية الأخيرة ليست مؤشرات على مشكلات نظامية أوسع، وبالتأكيد ليست مؤشراً على أننا ندور حول تكرار أزمة عام 2023 التي ألحقت ضرراً بالغاً بعدد قليل من المقرضين الصغار والمتوسطين.
لكن بالنسبة لآخرين، أثار تعليق "الصرصار" موجة من البحث الارتيابي في وول ستريت عن وجود مزيد منها، وكأنهم يحملون مرشات المبيدات ويسألون ""هل هناك من مزيد؟".
يظهر رد الفعل على تعليق ديمون مدى حساسية وول ستريت لاحتمالية انهيار سوق الائتمان. بعد سوق صاعدة استمرت لسنوات مدفوعة بانخفاض أسعار الفائدة، يعتقد بعض المحللين أن التصحيح قد تأخر. وبالرغم من انخفاض تكاليف الاقتراض، والعوائد المرتفعة جداً، ومعدلات التخلف عن السداد للسندات ذات العائد المرتفع بما يتماشى مع المتوسطات التاريخية، يقول المتشائمون إن هناك ما يدعو إلى الحذر، خاصة عندما يتعلق الأمر بعالم الائتمان الخاص الذي يصعب تتبعه.
ازداد غموض أسواق الائتمان بشدة خلال العقد الماضي، فبعد الأزمة المالية عام 2008 وضع الكونغرس قيوداً على حجم المخاطر التي يمكن أن تتحملها البنوك الكبرى، ما أدى إلى ظهور شبكة مقرضين تعرف باسم نظام "الخدمات المصرفية الموازية"، أو بشكل أقل خطورة، المؤسسات المالية غير الإيداعية، ومن ذلك شركات تقدم الائتمان الخاصبلومبرغ
تتجه الشركات التي تقترض باستخدام الائتمان الخاص بشكل متزايد إلى تأجيل سداد الفوائد لصالح زيادة رأس مال القرض، وهو حل مؤقت يعرف باسم "الدفع العيني“.
ما هي المخاطر الخفية؟
قال إدوارد ألتمان، المحلل المخضرم والأستاذ الفخري في كلية ستيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك: "هذا يعني أن هذه الشركات تعاني ضغوطاً". كما سُجلت حالات قيّم فيها مقرضون من القطاع الخاص نفس القرض بتقييمات مختلفة جذرياً. قالت إليزابيث دي فونتيناي، الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة ديوك التي تدرس الائتمان الخاص: "السؤال الأهم هو ما إذا كانوا يبلّغون عن هذه الأمور بقيمتها العادلة الصحيحة".
هذه مجرد مؤشرات ظاهرة. فقد ازداد غموض أسواق الائتمان بشدة خلال العقد الماضي. بعد الأزمة المالية عام 2008، وضع الكونغرس قيوداً على حجم المخاطر التي يمكن أن تتحملها البنوك الكبرى، ما أدى إلى ظهور شبكة مقرضين تعرف باسم نظام "الخدمات المصرفية الموازية" -أو، بشكل أقل خطورة، المؤسسات المالية غير الإيداعية- ومن ذلك شركات تقدم الائتمان الخاص.
في بعض الحالات، تكون القروض الخاصة أفضل من تلك التي تقدمها البنوك، إذ تُصمم خصيصاً لتلبية احتياجات المقترضين، وتتميز بشروط أكثر ملاءمة. كما أنها غير مرئية للجهات الخارجية، بما في ذلك الجهات التنظيمية، ما يجعلها جذابةً ومحفوفة بالمخاطر في آن واحد.
مع ازدياد الإقراض من المؤسسات المالية الوطنية بشكل كبير، أدانت بعض البنوك الكبرى هذا التوسع، وسعت أيضاً إلى الانضمام إلى حركة الائتمان الخاص.
"وصفة أزمة مالية"
ديمون، على سبيل المثال، وصف شروط الائتمان الخاص المتساهلة نسبياً بأنها "وصفة لأزمة مالية". في الوقت نفسه، تقرض بنوك، ومنها ”جية بي مورغان“، 1.2 تريليون دولار سنوياً لمؤسسات مالية غير الإيداعية، بما في ذلك 300 مليار دولار للائتمان الخاص، وفقاً لشركة موديز. بمعنى آخر، بعض هذه المشكلات قادمة من داخل الشركة.
يستمر الجدل حول ما إذا كان ينبغي الذعر، حيث قلل ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لمجموعة ”غولدمان ساكس“، في أواخر أكتوبر من شأن المخاوف حتى مع إعلان شركتين عن خسائر مرتبطة بالائتمان. في غضون ذلك، يقول مايك مايو، المحلل لدى”ويلز فارغو آند كو“، الذي سأل ديمون السؤال الذي أثار تعليق "الصرصور" في المقام الأول، إن اليقظة أمرٌ مبرر.
قال مايو إن انهيارات الائتمان الأخيرة هي "تدريبٌ مصغّر" على مواجهة انكماشٍ اقتصاديٍّ محتمل. وأضاف: "أحداثٌ كهذه هي جرس إنذارٍ جيد بأن القروض ستتعثر. لذا فهي تذكّر البنوك والمستثمرين بأن يتحلوا بقدر صحي من الارتياب".

