تُعدّ المعادن النادرة من بين أهم المواد الخام على كوكب الأرض، وهي متأصلةٌ بعمق في تقنيات تدعم الحياة الحديثة. ومع ذلك، لم يسمع بها سوى قلة من الناس حتى دفعها اندلاع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى دائرة الضوء.
تُستخدم المعادن النادرة ذات الأسماء الغريبة مثل الغادولينيوم والديسبروسيوم في مختلف القطاعات- من أشباه الموصلات وهواتف "أيفون" إلى أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي وعلاجات السرطان. وفي الآونة الأخيرة، ازداد الطلب عليها بفضل التقنية الخضراء التي تُساعد في خفض انبعاثات الكربون.
لطالما اعتمد العالم على الصين في الحصول على المعادن النادرة، وهو أمر استغلته البلاد لصالحها في الرد على الحرب التجارية التي بدأها الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وقد استفادت الصين من هيمنتها على سلسلة التوريد للرد على الرسوم الجمركية الأميركية من خلال تقييد تصدير المعادن النادرة.

كان إلغاء هذه القيود نقطة اشتعال في محادثات التجارة بين القوتين العظميين. كما عززت الضوابط الصينية الأشد جهود الولايات المتحدة للحصول على إمدادات بديلة- سواء في الداخل أو من حلفائها مثل أستراليا.
العناصر الأرضية النادرة هي مجموعة من 17 عنصراً معدنياً جُمعت بسبب تشابهها الكيميائي. خصائصها البصرية والمغناطيسية والكهربائية تجعلها مناسبةً لمجموعة واسعة من التطبيقات.
على سبيل المثال، التربيوم والإتريوم هما ما يُمكن إظهار الألوان النابضة بالحياة على شاشات الهواتف الذكية والتلفزيونات، بينما تعني قدرة السيريوم على تسهيل التفاعلات الكيميائية أنه يُستخدم بشكل شائع في المحولات الحفازة، التي تزيل مواد ضارة من عوادم السيارات.
وسُخر النيوديميوم والبراسيوديميوم لإنشاء محركات مغناطيسية دائمة يمكنها تحويل الكهرباء المخزنة في البطارية إلى حركة- لتدوير عجلات السيارة الكهربائية، على سبيل المثال. ويمكنها أيضاً العمل في الاتجاه المعاكس لتحويل الحركة إلى كهرباء، مثل دوران شفرات توربينات الرياح.
على عكس اسمها، فإن المعادن النادرة شائعة جداً في قشرة الأرض، فالسيريوم أكثر وفرة من القصدير أو الرصاص. لكن التحدي يكمن في العثور عليها بتركيز عالٍ بما يكفي في مكان واحد ليكون التعدين فعالاً من حيث التكلفة.
يمكن أن يكون الاستخراج ضاراً بالبيئة حيث يلزم كميات كبيرة من الماء والطاقة لفصل المعادن النادرة عن الصخور التي توجد فيها. هناك أيضاً خطر من أن يؤدي تعدينها إلى تلويث التربة والمياه الجوفية المحلية، إذ غالباً ما توجد المعادن النادرة مختلطة مع عناصر مشعة مثل اليورانيوم والثوريوم.

كانت الولايات المتحدة أكبر منتج في العالم خلال الستينيات إلى الثمانينيات، لكنها تراجعت عندما بدأت الصين في تكثيف جهودها. مكنت العمليات منخفضة التكلفة الدولة الواقعة في شرق آسيا من إغراق السوق بالمعادن النادرة الرخيصة وإنشاء احتكار شبه كامل لسلسلة التوريد العالمية.
أصبحت الصين مسؤولية عن نحو 70% من الكميات المستخرجة من المناجم. وقد أنتجت 270 ألف طن من المعادن النادرة في عام 2024، ما ضاعف إنتاجها على مدى خمس سنوات، وفقاً لبيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية. وجاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بفارق كبير، إذ أنتجت 45 ألف طن.
مما يدعم هيمنة الصين حقيقة أنها موطن لما يقرب من نصف احتياطيات العالم من المعادن النادرة، وهي رواسب يمكن استخراجها اقتصادياً. احتياطياتها البالغة 44 مليون طن أكثر من ضعف تلك الموجودة في البرازيل التي تحتل المرتبة الثانية.
تحتل الولايات المتحدة المرتبة السابعة في الترتيب، بحوالي 1.9 مليون طن من الاحتياطيات. كما أن قدرتها على تكريرها ضئيلة. في الواقع، غالباً ما تحتاج الدول القليلة التي يمكنها تعدين المعادن النادرة إلى إرسالها إلى الصين لتكريرها.
لطالما أدركت الصين تفوقها عندما يتعلق الأمر بالمعادن النادرة. قال الزعيم دينغ شياو بينغ في عام 1992 أن "الشرق الأوسط لديه نفط، والصين لديها معادن نادرة". أصبح نفوذها على السوق واضحاً في عام 2010 عندما منعت الصادرات إلى اليابان لمدة شهرين بعد اشتعال نزاع حدودي بحري.
دفع ذلك اليابان إلى مسار طويل سعياً لتقليل اعتماد إمداداتها من المعادن النادرة على الصين، لكنها لم تقلصها إلا مما بين 80% و90% إلى 60%، وفقاً لما ذكره وزير الأمن الاقتصادي السابق تاكايوكي كوباياشي في حديث مع بلومبرغ نيوز.
تُحكم الحكومة المركزية الصينية قبضتها على إنتاج البلاد وصادراتها من المعادن النادرة، وكانت تستعرض عضلاتها في السنوات الأخيرة مع تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة بشأن الوصول إلى أشباه الموصلات. في أواخر عام 2023، وسّعت الصين قيودها على تصدير التقنيات المستخدمة في معالجة المعادن النادرة، ما عزّز سيطرتها على أنشطة التكرير.
بخلاف الرسوم الجمركية المتبادلة، أضافت الصين سبعة معادن أرضية نادرة ومغناطيسات دائمة إلى قائمة مراقبة الصادرات في أوائل أبريل، ما يعني أن الشركات بحاجة إلى الحصول على تراخيص خاصة لإرسال هذه المواد إلى الخارج.
لقد كرّر هذا قيوداً مشابهةً فرضتها خلال العامين الماضيين على معادن أساسية أخرى، مثل الغاليوم والجرمانيوم والجرافيت والأنتيمون.
تضمنت القيود المفروضة على صادرات المعادن النادرة بعض المعادن النادرة "الثقيلة"، التي تنتجها الصين حصرياً تقريباً وعادةً ما تكون أكثر قيمةً. يعمل اللوتيتيوم، على سبيل المثال، كمُحفز لتكسير الهيدروكربونات في مصافي النفط.
سببت قيود الصين على المعادن النادرة ضغوطاً على الشركات الأميركية. أغلقت شركة "فورد موتور" مصنعاً في شيكاغو مؤقتاً في مايو بسبب نفاد مغناطيسات المعادن النادرة. امتدت التداعيات إلى أجزاء أخرى من العالم أيضاً، ومن ذلك الاتحاد الأوروبي، حيث أبلغت شركات عن كثير من توقفات الإنتاج.
كان استئناف شحنات المعادن النادرة على رأس قائمة رغبات الأميركيين خلال محادثات التجارة مع الصين في يونيو. توصل الجانبان إلى اتفاقية إطارية وقالت الصين إنها "ستراجع وتوافق على طلبات التصدير المؤهلة للسلع الخاضعة للرقابة وفقاً للقانون".
مع ذلك، كشفت وزارة التجارة الصينية عن قيود جديدة على المعادن النادرة في أكتوبر، وعزت ذلك إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي. وقالت إن الشركات في الخارج سيتعين عليها الحصول على موافقتها على تصدير بعض السلع إذا كان ما لا يقل عن 0.1% من قيمتها يأتي من بعض المعادن النادرة التي تأتي من الصين.

كما ستكون هناك حاجة إلى ترخيص تصدير للمنتجات المصنوعة باستخدام التقنية الصينية المتعلقة بتعدين المعادن النادرة والصهر وإعادة التدوير وصنع المغناطيسات.
تشبه هذه الإجراءات تلك التي استخدمتها الولايات المتحدة لمنع الشركات الصينية من الوصول إلى الرقائق المتطورة والأدوات اللازمة لإنتاجها. ووجهت وزارة التجارة الصينية بأنه ليس مرجحاً الموافقة على تصاريح التصدير للاستخدامات العسكرية، بينما ستُراجع تصاريح التصدير لبعض تطبيقات أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي على أساس كل حالة على حدة.
تعتمد الولايات المتحدة على الصين في 70% من وارداتها من المعادن النادرة. إنه اعتماد يجعل المجمع الصناعي العسكري الأميركي عرضةً للمخاطر، حيث تتطلب طائرة (F-35) المقاتلة أكثر من 400 كيلوغرام من المعادن النادرة، وفقاً لوزارة الدفاع الأميركية.
يريد ترمب زيادة العرض المحلي من المعادن النادرة، وقد وقع على أمر تنفيذي في مارس يفعّل سلطة طوارئ لزمن الحرب بغرض توسيع الإنتاج الأميركي ومعالجة المعادن الأساسية والمعادن النادرة. الهدف من ذلك هو توفير مزيد من التمويل والقروض وغير ذلك من الدعم للاستثمار، وتسريع الحصول على التصاريح للمشاريع الجديدة.
ثم أطلق الرئيس تحقيقاً في سلسلة توريد المعادن الأساسية الأميركية في أبريل، وأمر وزير التجارة هوارد لوتنيك بتحديد ما إذا كان اعتماد البلاد على الواردات يشكل تهديداً للأمن القومي، وما إذا كان ينبغي تطبيق رسوم جمركية. يجب تسليم نتائج التحقيق في غضون 270 يوماً.
لن تُترجم ضرائب الاستيراد إلى زيادة فورية في العرض الأميركي. يوجد منجم واحد فقط للمعادن النادرة قيد التشغيل في البلاد في الوقت الحالي: منجم "ماونتن باس" التابع لشركة "إم بي ماتريالز" (MP Materials)، الذي أعيد افتتاحه في عام 2018، في صحراء موهافي بكاليفورنيا.
إن إنشاء مشاريع أخرى وتشغيلها سيكون عملية تستغرق سنوات وستكون مكلفة. في غضون ذلك، يُرجح أن تدفع الشركات الأميركية التي تحتاج إلى المعادن النادرة مزيداً مقابل وارداتها إذا فُرضت رسوم جمركية جديدة- بافتراض أن الصين تسمح بتصدير هذه المواد.
في يوليو، وافقت وزارة الدفاع الأميركية على استثمار أسهم بقيمة 400 مليون دولار في شركة "إم بي ماتيريالز" لإنشاء شركة رائدة في الصناعة. ستُصبح الحكومة أكبر مساهم في الشركة وستساعد الأموال في تمويل مصنع جديد لتصنيع مغناطيسات المعادن النادرة. ستقدم وزارة الدفاع ضماناً لمدة 10 سنوات لشراء جميع منتجات المنشأة.

يتطلع ترمب إلى ما وراء الولايات المتحدة بحثاً عن المعادن النادرة أيضاً، بعد أن وقع اتفاقية في نهاية أبريل لاستغلال المعادن الحيوية في أوكرانيا. أشار إلى الدولة الأوروبية كمصدر للمعادن النادرة، لكنها لا تملك أي احتياطيات كبيرة مُعتَرف بها دولياً على أنها مجدية اقتصادياً.
في أكتوبر، وافقت إدارة ترمب على صفقة تاريخية مع الحكومة الأسترالية لضخ الأموال في صناعة المعادن الحيوية الأسترالية. ستنفق كل من الدولتين أكثر من مليار دولار في المرحلة الأولى من الاتفاقية، وصرح رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز بأن الاتفاقية قد تمتد في نهاية المطاف إلى مشاريع بقيمة 8.5 مليار دولار. وتُعد أستراليا موطناً لرابع أكبر احتياطيات من المعادن النادرة في العالم، ولطالما سعت إلى ترسيخ مكانتها كمورد بديل فعال للصين. مع ذلك، ما تزال كثير من مشاريعها على بعد سنوات من بدء التشغيل.


