في الوقت الذي تسعى فيه شركات السيارات الصينية للهروب من ضغط الحكومة لزيادة الإنتاج والمبيعات، ومن المنافسة المحتدمة في السوق المحلية، يبدو تصدير السيارات إلى الخارج خيارا منطقيا.
لكن الواقع أكثر تعقيدا، فعملية تصدير السيارات الجديدة رسميا من الصين تتطلب منظومة كاملة من الخدمات اللوجستية، ووجود وكلاء معتمدين، وتوفير خدمات ما بعد البيع، إضافة إلى الالتزام بلوائح حكومية صارمة تمنح تراخيص التصدير حصراً للمصنّعين أو موزعيهم الرسميين. هذه المتطلبات ترفع تكلفة السيارة المصدرة وتجعل المنافسة في الأسواق الخارجية أصعب.
التعقيدات تولد الثغرات
من هذا التعقيد ولدت الثغرة: ففي 2021 لاحظت شركات صينية صناعية وتجار سيارات أن بإمكانهم الالتفاف على هذه التعقيدات من خلال تصنيف السيارات الجديدة باعتبارها "مستعملة"، حتى لو لم تقطع أي مسافة. هذا التصنيف يجعل السيارة خارج نطاق القيود المفروضة على التصدير، ويسمح ببيعها دون الالتزام بشبكات خدمات ما بعد البيع أو فتح وكلاء، ما يخفض التكلفة بشكل كبير.
هكذا ظهر إلى الوجود مفهوم "السيارات المستعملة بأميال صفرية"، وهي مركبات جديدة تماماً، إلا أنها تُسجل وتُباع باعتبارها "مستعملة" على الورق فقط. وفي ظل انخفاض الأسعار الناتج عن حرب الأسعار في السوق الصينية، والدعم الحكومي المستمر للسيارات الكهربائية، أصبح بيع هذه الفئة مربحاً للغاية، حسب "نيكاي آسيا".
صفر كيلومتر
وتشير تقديرات من داخل القطاع إلى أن نحو 80% من صادرات الصين من السيارات المستعملة اليوم هي في الحقيقة سيارات "صفر كيلومتر". وارتفع عدد السيارات المصدرة بهذه الصيغة من 15 ألف سيارة فقط عام 2021 إلى ما يقارب 440 ألفاً في 2024، مع توقع تجاوز الرقم 500 ألف في عام 2025، وهو نمو هائل خلال 3 سنوات فقط.
لكن مع هذا الازدهار، تزايدت الانتقادات. بدأت السلطات التنظيمية في دراسة الظاهرة وإعداد سياسات جديدة لإغلاق هذه الثغرة، خصوصاً أن تأثيرها السلبي بات يتسع. فهناك مخاوف من تشويه بيانات المبيعات في السوق المحلية، ومن الإضرار بسمعة العلامات الصينية في الخارج، فضلاً عن تصدير نموذج المنافسة القائم على الضغط وخفض الأسعار إلى الأسواق الدولية.
تفاقمت أهمية القضية بعد إعلان وزارة التجارة الصينية ودوائر حكومية أخرى، في 26 سبتمبر، أن سيارات الركاب الكهربائية ستخضع لنفس نظام تراخيص التصدير الذي تخضع له السيارات ذات محركات الاحتراق والهايبرد، بدءاً من يناير المقبل. الهدف هو منع انتشار السيارات "الرخيصة" غير المدعومة بخدمات ما بعد البيع، ووقف المنافسة الضارة التي يمكن أن تهدد صورة الصناعة الصينية.
اعتراضات شخصيات بارزة
داخل الصين، لم تتردد شخصيات بارزة في انتقاد هذه الممارسة. فقد وصف وي جيانجون، رئيس شركة جريت وول موتورز الوضع بأنه "فوضوي"، مؤكداً أن "آلاف الشركات" تمارس بيع هذه السيارات. كما دعت شركات أخرى مثل "شيري" إلى حظر الظاهرة بالكامل.
الشركات التي تملك حضوراً رسمياً في الأسواق الخارجية ترى أن هذه الممارسات تضرب جهودها الاستثمارية، لأنها لا تستطيع منافسة الأسعار المنخفضة التي تقدمها السيارات ذات الأميال الصفرية دون خدمات ما بعد البيع. في المقابل، تعتبر شركات أصغر أو متعثرة مالياً أن بيع هذه السيارات هو طوق نجاة في سوق محلي يعاني من فائض إنتاج وتراجع الأرباح.
وتشير تقارير إلى أن حرب الأسعار الصينية انتقلت أيضاً للأسواق الخارجية، حيث يعرض عديد من التجار الطرازات نفسها في السوق ذاتها، ما يؤدي إلى فروقات سعرية لا تتجاوز 500 يوان (70 دولاراً)، ويقلص هامش الربح ويخلق فوضى سعرية. الأخطر أن هذه السيارات غالباً لا تأتي مع خدمات ما بعد البيع، ما يؤدي إلى شكاوى المستهلكين وتضرر صورة العلامات الصينية، حتى لو لم تكن الشركات المصنّعة مسؤولة مباشرة عن عمليات البيع الرمادية.

