تصف مفارقة سينكاكو كيف قد تؤدي مخاطر صغيرة إلى صراعات كبيرة في زمن التنافس بين القوى العظمى. فيما يعود أصل المصطلح إلى الحروب العسكرية، فإنه ينطبق أيضاً على المواجهة الاقتصادية المتصاعدة بين هولندا والصين بشأن شركة الرقائق الدقيقة ”نكسبيريا“ (Nexperia).
ينبغي أن يكون الخطر المتزايد لنقص الرقائق، الناجم عن أسباب سياسية، وليس عن وباء أو نزاع مسلح، تحذيراً لأوروبا للتعامل مع نقاط ضعفها الكبيرة في الحرب التجارية.
انتزعت الحكومة الهولندية الأسبوع الماضي، السيطرة على شركة ”نكسبيريا" التي تملكها الصين ومقرها هولندا، مستغلةً قانوناً يعود إلى حقبة الحرب الباردة صُمم لضمان الوصول إلى السلع الأساسية في حالات الطوارئ.
الإمدادات التي يطالها ما حدث ذات تقنية منخفضة نسبياً، مثل الترانزستورات والثنائيات، لكنها ضرورية لكل شيء من السيارات إلى الأجهزة الطبية- وتستحوذ "نكسبيريا" على عُشر تلك السوق عالمياً.
مسؤولون أمريكيون يضغطون على هولندا لتشديد قيود الرقائق الصينية
كان مبرر هذه الخطوة الجريئة، وإن كانت محفوفةً بالمخاطر، هو وجود دليل على تضارب في المصالح ومحاولة الشركة الأم "وينجتيك تكنولوجي“ (Wingtech Technology) لنقل أصول، كما جاء في ملفات المحكمة.
إذا كان هذا القانون يُطبّق لأول مرة، فالسبب في ذلك يعود إلى سياق جيوسياسي لا يُمكن تجاهله. إن الرقائق الإلكترونية ليست سلعة تصدير عادية، وقد أُدرجت "وينجتيك" على القائمة السوداء التجارية الأمريكية نهاية العام الماضي. حتى أن مسؤولين أمريكيين أوضحوا إلى لاهاي في يونيو أنه سيتعين استبدال الرئيس التنفيذي الصيني لشركة ”نيكسبريا".
لن تكون هذه أول حالة ضغط أمريكي على قطاع التقنية الهولندي، إذ تخضع آلات تصنيع الرقائق المتطورة التابعة لشركة "إيه إس إم إل هولدينج" لضوابط تصدير تقودها الولايات المتحدة.
أظهرت سرعة هذه الخطوة أيضاً حجم الذعر داخل أوروبا إزاء الاعتماد على الصين في إعادة التسلح وإعادة التصنيع، والندم على الموافقة على بيع أصول بمليارات الدولارات للصين (بما في ذلك ”نيكسبيريا“) على مدى العقد الماضي.
الرقائق والمعادن ذخائر لحرب تجارية عالمية غير معلنة
يأتي ثلث إمدادات الرقائق الرئيسية من الصين؛ كما تُعدّن حوالي 60% وتُعالج حوالي 90% من المعادن الأرضية النادرة في العالم، وهي مكونات أساسية للسيارات الكهربائية والطائرات المقاتلة.
جاءت مصادرة ”نيكسبيريا“ بعد أيام من تشديد الصين قيودها على تصدير المعادن الأرضية النادرة، التي كانت تستهدف ظاهرياً الولايات المتحدة، لكنها ضربت أوروبا أيضاً.
المعضلة هنا هي أن مواجهة الاعتمادية تأتي بتكلفة، وفي هذه الحالة، قيود انتقامية من بكين على شحن المنتجات إلى الخارج من مصانع ”نيكسبيريا“ في الصين، ما دفع شركات صناعة السيارات الأوروبية إلى التحذير من نقص في المعروض.
شركات السيارات تتحضر لتجنب أزمة رقائق محتملة بعد قيود الصين
إن ما كان يُفترض أن يحافظ على قيمة ”نيكسبيريا“ ووصولها إلى العملاء جعل كلا الهدفين يبدو هشاً. تكافح الشركات الأوروبية، ومنها ”فولكس واجن“ و“روبرت بوش“، لإيجاد مصادر بديلة للرقائق.
كما ورثت الحكومة الهولندية معضلةً مؤسسيةً: إذ إن ”نيكسبيريا“ صينيةٌ جداً بالنسبة للهولنديين، وهولنديةٌ جداً بالنسبة للصينيين، وحساسةٌ سياسياً جداً بحيث يصعب بيعها بسهولة لمالك جديد- يجب أن نتذكر أن الجهات التنظيمية الصينية منعت في 2018 بيع ”إن إكس بي سيميكوندكترز“ (NXP Semiconductors) مالكة ”كوالكوم“ (Qualcomm) السابقة.
على المدى القصير، يُمكننا توقع ضغوط من تكنوقراط بروكسل وجماعات الضغط في الصناعة لتهدئة الوضع، وأتمنى لهم التوفيق في ذلك. إن الانتخابات البرلمانية الهولندية آتية بعد بضعة أيام، وهذه قضيةٌ حساسةٌ لبلد وافق على بيع ”نيكسبيريا“ عام 2016 في زمن أكثر براءةً- أو ربما سذاجةً. في الوقت نفسه، قررت الصين بوضوح أن أوروبا هي هدف مشروع لنهج أقسى.
أوروبا تجهز إجراءات تجارية لمواجهة قيود الصين على المعادن النادرة
لكن على المدى الأبعد، يتعين على أوروبا إيجاد طرق أكثر استدامةً للتعامل مع اعتماديتها في قطاعات حرجة. كما أنها عُرضةٌ لأن تزيد إدارة ترمب ضغوطها عليها نظراً لاعتمادها على شركات الدفاع والتقنية الأمريكية، فإنها أيضاً لم تبذل جهداً يُذكر لتقليل مخاطر سلاسل التوريد من الصين الأكثر حزماً.
لقد افتقرت خطط السياسة الصناعية الأوروبية في مجال الرقائق والبطاريات إلى الثقة والإنفاق . ويُتوقع على نطاق واسع ألا يحقق الاتحاد الأوروبي هدف مضاعفة حصته من إنتاج الرقائق إلى الخُمس بحلول عام 2030؛ وما تزال ندوب فشل شركة ”نورثفولت“ السويدية الناشئة في مجال البطاريات واضحة.
سيتعين اتباع مزيج من الاستجابات: مزيد من تنويع الإمدادات، ومزيد من الاستثمار المحلي، ومزيد من التدابير لمعالجة الواردات الرخيصة بشكل مصطنع مثل الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية أو الصلب.
يقول يوريس تير من معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية إنه ينبغي تخصيص مليارات الدولارات من مخصصات الميزانية الجديدة للإنفاق الدفاعي لكسر قبضة الصين الخانقة على سلسلة التوريد للمواد الخام.
