رفيف عبدالرازق
تتمتع المملكة العربية السعودية بتراث ثقافي غني وثروة من الأصول الطبيعية، منها البحر الأحمر الزاخر بألوانه الزاهية والصحاري الخلابة الممتدة. واليوم، يمكن للزوار استكشاف أعماق البحر بالغوص مع السلاحف البحرية، وغداً، يمكنهم استرجاع عبق التاريخ أثناء زيارة المقابر النبطية التي يعود تاريخها إلى ألفي عام.
حتى وقت قريب، كانت السياحة في السعودية تتركز حصرياً على مواقع شهرية معينة، ولكن هذا الوضع بدأ يشهد تحولاً سريعاً. ففي إطار رؤية 2030، تدعو السعودية العالم لاستكشاف عجائبها الطبيعية والثقافية. وتهدف هذه الإستراتيجية الطموحة إلى استثمار الأصول الثقافية والطبيعية غير المستغلة لتعزيز قطاع السياحة، بما يسهم في تنويع الاقتصاد، وتعزيز النمو، وتوفير فرص عمل محلية. فالسياحة لم تعد مجرد سفر، بل هي الآن بوابة للفرص، والثقافة، والتقدم.
وتسعى السعودية إلى جذب 150 مليون زائر بحلول 2030، مع تطلعها إلى أن تسهم السياحة بنسبة 10% من إجمالي الناتج المحلي، متماشية مع المستويات العالمية. ويبرز هذا الهدف ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بالمستهدف السابق، الذي تحقق بوصول عدد الزوار إلى 100 مليون.
ولقد أدركت مجموعة البنك الدولي منذ زمن طويل الإمكانات الكبيرة لقطاع السياحة في السعودية، وقدمت على مدى عقد كامل دعمها للمملكة من خلال تقديم المساعدة الفنية لأصحاب المصلحة والأطراف المعنية على الصعيد الوطني والإقليمي والمحلي. وقد عملنا معاً لتعزيز إمكانات هذا القطاع مع حماية الأصول الطبيعية والتراث الثقافي، وتجنب الاستهلاك المفرط والآثار السلبية على المجتمعات المحلية.
في الوقت الذي نستعد فيه للاحتفال بالذكرى الـ50 للشراكة بين مجموعة البنك الدولي والسعودية، يواصل البنك الدولي تسليطه الضوء على السياحة باعتبارها ركيزة محورية محتملة لتحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي. وأشار رئيس مجموعة البنك الدولي، أجاي بانغا، أخيرا إلى أن الهدف الذي تسعى المجموعة إلى تحقيقه يتمثل في مساعدة البلدان على بناء قطاعات خاصة ديناميكية والمساهمة في خلق فرص العمل المحلية من خلال دعم قطاعات مثل السياحة لتعزيز الاقتصاد المحلي (فاينانشال تايمز، أبريل 2025). وخلال 2024 وحده، وفّر قطاع السياحة 357 مليون وظيفة حول العالم، ما يبرز عمق تأثيره الاقتصادي.
على الصعيد الوطني، تتصدر وزارة السياحة – التي أقامت شراكة مع البنك منذ انطلاقها – قيادة هذه الأجندة التنموية. وفي إطار إحدى المبادرات، ساعد البنك الوزارة على تقييم الأداء السعودي وفق مؤشر السفر والتنمية السياحية الخاص بالمنتدى الاقتصادي العالمي، عبر دراسة مؤشرات الأداء الرئيسية وتقديم استشارات لتحسين المجالات التي تتطلب التطوير والتحسين. وبفضل خطوات موجهة، تقدمت السعودية في الترتيب إلى المركز 33 من بين 170 بلداً في 2021 بعدما كانت في المرتبة 43 في 20191.
ويواصل البنك دعم الوزارة من خلال تعزيز القدرات وتقديم الاستشارات الفنية حول قضايا إستراتيجية، تشمل الاستدامة، والمدن الذكية، والتكنولوجيات المتقدمة في قطاع السياحة، إلى جانب التنافسية وبناء القدرة على الصمود.
على غرار الصناعات الإنتاجية الأخرى، تتطلب السياحة بيئة داعمة وموارد كافية تشمل بنية تحتية متطورة، وخدمات فعالة، وكوادر تتمتع بالمهارات اللازمة. ومع أن القطاع السياحي قادر على توليد فرص تنموية وفتح آفاق جديدة،. ويستلزم الأمر تحقيق توازن دقيق بين هذه العوامل لضمان استمرار الإنتاجية في هذا القطاع. ومن هذا المنطلق الإستراتيجي، تعمل الهيئة الملكية لمحافظة العلا وهيئة تطوير بوابة الدرعية وشركة الدرعية في إطار من التعاون وتضافر الجهود مع مجموعة البنك الدولي.
تُعد المناظر الطبيعية الخلابة في العلا ملتقىً للتاريخ، حيث تحتضن التراث النبطي للسعودية، بما في ذلك موقع الحجر الأثري، أول موقع سعودي مدرج ضمن التراث العالمي لليونسكو، إلى جانب مدينة دادان القديمة وسكة حديد الحجاز الشهيرة. ويدعم البنك الدولي جهود الهيئة الملكية لمحافظة العلا الرامية إلى إحياء هذه المنطقة التي لم تحظ بقدر كبير من العناية من قبل، وتطوير اقتصاد سياحي مستدام يسهم في تحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل المحلية.
وتحت إشراف الهيئة، أصبحت العلا بسرعة وجهة عالمية بارزة يقصدها السياح، حيث يستكشف الزوار العلا برفقة مرشدين محليين مؤهلين وحراس متخصصين.
تبعد الدرعية، على مسافة 15 دقيقة بالسيارة من وسط مدينة الرياض. وأهم مناطقها هو حي الطُّرَيْف، الذي يُعد موقعاً للتراث العالمي لليونسكو، كما تُعرف الدرعية أيضاً بـاسم "مدينة الأرض". وتسعى الدرعية إلى أن تكون مدينة مستدامة متعددة الاستخدامات يسهل التنقل فيها سيراً، مقدمةً مزيجاً نابضاً بالحياة من المساحات التراثية وأنشطة السياحة والضيافة والمرافق السكنية والتجارية لسكانها وزوارها. وتتضافر جهود هيئة تطوير بوابة الدرعية وشركة الدرعية مع جهود مجموعة البنك الدولي بهدف تطبيق أفضل الممارسات والسياسات المستدامة والشاملة للجميع لدعم تجديد المناطق الحضرية التراثية وتحقيق النمو الاقتصادي من خلال نهج يركز على الناس ويراعي احتياجاتهم ومتطلباتهم.
تستهدف الدرعية توفير 180 ألف وظيفة جديدة من خلال هذا الاستثمار الإنمائي واسع النطاق. وبفضل المساعدة الفنية المقدمة من مجموعة البنك الدولي، وضعت شركة الدرعية إطاراً شاملاً لإيجاد الوظائف وتحقيق التنمية الاقتصادية المحلية، متضمناً برنامجاً حديثاً لخلق الوظائف في إطار شراكات مع الجامعات والبرامج الوطنية لاستهداف الطلاب والخريجين الجدد. ويهدف هذا البرنامج الحديث إلى تمكين المجتمع المحلي والشباب على مستوى المنطقة من الاندماج في سوق العمل عبر تطوير مهاراتهم وتدريبهم، ما يسهم في سد فجوة المهارات وضمان إعداد قوى عاملة محلية قادرة على تشغيل المنشآت وتقديم الخدمات السياحية. وقد تكللت المرحلة التجريبية الأولى بالنجاح، حيث تم تدريب أفراد من المجتمع المحلي وأُتيحت لهم فرص تدريب داخلي ووظائف في فندق باب سمحان، وهو أحد الأصول العقارية التي طورتها شركة الدرعية وتم تأجيره للقطاع الخاص لإدارته.
نحن البنك الدولي، نعمل جنباً إلى جنب مع شركائنا في السعودية لتحقيق إمكاناتهم الكاملة وتقديم كل ما لدى للسياح والمقيمين، ماضين نحو صنع مستقبل أكثر إشراقاً ينعم بخيره الجميع.
مسؤولة عمليات في مكتب فلسطين التابع للبنك الدولي
