من يحمي المستهلك من نفسه؟!

من يحمي المستهلك من نفسه؟!

كنت أستعد لكتابة مقال يتعلق بحماية المستهلك من الممارسات غير السوية التي انتشرت بشكل واضح في العديد من الأسواق. فجشع بعض المصنعين والتجار ورغبتهم الجامحة في تحقيق المكاسب المادية أعمت بصيرتهم ودفعتهم إلى غش المستهلك وخداعه بشتى الطرق، إما بإمداده بمنتجات غير مطابقة للمواصفات أو بإمداده بمنتجات مزيفة ومقلدة، أو باستغلاله من خلال تسعير المنتجات بأسعار مبالغ فيها، أو بتقديم خدمة متدنية لا تشبع احتياجات المستهلك ولا توازي ما يتحمله من تكلفة، أو بتزويده بمعلومات مضللة وغير صحيحة تدفعه إلى اتخاذ قرارات شراء تضره مادياً ومعنوياً. حقيقة كنت أريد أن أقف بجانب المستهلك ضد هؤلاء المخادعين. ولكن بعد أن اطلعت على نتائج إحدى الدراسات الميدانية تغير اتجاهي تماماً ووجدت نفسي مجبراً على الوقوف بجانب المستهلك ضد نفسه. الدراسة بعنوان "التوجهات الاستهلاكية للأسر السعودية " أعدها مركز البحوث والدراسات في الغرفة التجارية في الرياض، استهدفت الدراسة التعرف على التوجهات الاستهلاكية للأسرة السعودية المقيمة في منطقة الرياض، وعلى الرغم من أن نتائج الدراسة يصعب تعميمها على بقية مناطق المملكة إلا أنها أفرزت نتائج خطيرة للغاية يجب أن تؤخذ في الاعتبار. وهذه هي المنفعة العظيمة التي تقدمها لنا الدراسات العلمية، حيث تضعنا وجهاً لوجه أمام أرقام ونسب ومؤشرات وحقائق تحفزنا على التغيير والوصول إلى منطقة أبعد من منطقة الشعور والإدراك. نستعرض فيما يلي وبشكل مختصر بعضاً من نتائج واستنتاجات الدراسة: * يبلغ متوسط الإنفاق الشهري للأسرة السعودية على المسكن نحو 4079 ريالاً شهريا، في الوقت الذي يبلغ متوسط حجم الدخول لهذه الأسر 6760 ريالاً شهريا. وهذا يعني أن 60 في المائة من إجمالي الدخول للأسرة السعودية ينفق على المسكن! * 29 في المائة من إجمالي الأسر تمتلك وحدتين من كافة الأجهزة المنزلية، وأن نحو 26 في المائة منها يتجه لامتلاك ثلاث وحدات فأكثر منها! * 65 في المائة من الأسر السعودية تمتلك سيارتين فأكثر، ونحو37 في المائة من هذه الأسر تمتلك أكثر من ثلاث سيارات. ونحو 64 في المائة من إجمالي الأسر تنفق أكثر من 550 ريالاً شهريا على سياراتها!!! * نسبة 7 في المائة من الأسر ذات الدخول التي تقل عن ثلاثة آلاف ريال تنفق على خدمات الكهرباء متوسط من 700 إلى 1300 ريال شهريا، أي أنها تنفق نحو 23 إلى 43 في المائة من إجمالي دخلها فقط على فواتير الكهرباء! * نسبة 66 في المائة من إجمالي الأسر السعودية تستخدم ثلاثة جوالات فأكثر. ونحو 17 في المائة من إجمالي الأسر تستخدم أكثر من ستة جوالات في الأسرة الواحدة. ونحو 70 في المائة من الأسر تنفق أكثر من نحو ألف ريال شهريا على فواتير الجوال والهاتف المنزلي. ونحو15 في المائة من هذه الأسر تنفق ما يزيد على ثلاثة آلاف ريال!!! * نسبة 55 في المائة من إجمالي الأسر لديها أكثر من اثنين من العمالة المنزلية. ونحو 8 في المائة من إجمالي الأسر يعمل لديها أربعة من العمالة المنزلية! * نسبة 14 في المائة من الأسر تنفق في المتوسط نحو 75 ألف ريال سنويا على الإجازات سواء داخل أو خارج المملكة، أي أن نحو 6250 ريال يتم استقطاعها شهريا لقضاء الإجازة الترفيهية! * اعتراف نحو 86 في المائة من إجمالي الأسر باعتقادها أن نسبة إنفاقها الشهري تعتبر مرتفعة جدا. بل إن نسبة 63 في المائة من هذه الأسر أجابت بأنها تواجه عجزا ماليا يكاد يكون شهريا! أعتقد, عزيزي القارئ, أنك أدركت الآن لماذا يجب تغيير الاتجاه، ولماذا يجب مساعدة المستهلك على أن يحمي نفسه من نفسه وبنفسه أولاً. الحقيقة أن سيطرة النواحي المظهرية والسعي إلى تقليد الآخرين والبحث عن الرفاهية المطلقة والاستجابة لأهواء النفس أصبح يشكل حائطاً منيعاً ضد أي محاولة لتوجيه الأفراد نحو تغيير سلوكياتهم الاستهلاكية، ولكن ربما هذه الدراسة وهذه النتائج تجبرنا جميعاً كمستهلكين في هذا المجتمع على التوقف والتأمل والإجابة عن العديد من التساؤلات: هل نحن عندما نستهلك قدراً أكبر من حاجتنا وعندما نتطلع لما يملكه الآخرون، وحين نتشبث بالمظهر على حساب الجوهر، وحين ننساق لأهوائنا وشهواتنا، هل نحن بهذا نسير في الطريق الصحيح الذي يحض عليه ديننا العظيم؟ وهل نحن نمتثل قول الخالق عز وجل "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ". وقوله عز وجل " كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين". وقوله سبحانه "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا". - هل نرتضي لأنفسنا أن نظل دائماً متأثرين بالآخرين، تابعين لهم مقلدين ومستنسخين لتصرفاتهم وسلوكياتهم الاستهلاكية؟ - هل نحن نتصرف بطريقة صحيحة عندما نضع أنفسنا وباستمرار تحت ضغط مستمر ناتج عن الرغبة في امتلاك ما يفوق إمكاناتنا وقدراتنا؟ هل ستحتمل أجسادنا وعقولنا هذا الضغط الرهيب؟ - هل نحن نتصرف بطريقة صحيحة ونحن نعود أولادنا على الإسراف والبذخ منذ نعومة أظافرهم؟ هل نحن بهذا نساعدهم على الفهم الحقيقي للحياة ونوفر لهم ما يعينهم على مواجهة متطلباتها الأساسية؟ - ألا توجد بدائل أمامنا تشبع احتياجاتنا وفي الوقت نفسه تتواءم مع قدراتنا المادية؟ هل ارتبطت سعادتنا في هذه الحياة بما امتلكناه من مساكن وسيارات وجوالات وخدم؟ هل ما زلنا نستمتع بما حصلنا عليه وامتلكناه أم أن التعود سلب منا الإحساس بالمتعة؟ - وأخيراً هل نرتضي لأنفسنا أن نكون سبباً في استنفاد موارد مجتمعنا وإجباره على أن يكون مجتمعا استهلاكيا وليس مجتمع إنتاج؟ إذا أجبنا بالنفي على جميع هذه التساؤلات ولم نسع إلى التغيير فلن تقم لنا قائمة ..أفراداً ومجتمعا.   * أستاذ إدارة الأعمال والتسويق المشارك [email protected]
إنشرها

أضف تعليق