Author

الأجهزة الطبية في المستشفيات.. اعتبارات مهمة قبل شرائها (1 من 2)

|
مختص في التمويل والتنظيم وأكاديمي
[email protected] لعل الإنفاق في شراء الأجهزة الطبية من أهم المصروفات الصحية ومن أكثرها تحديا. فالباب المخصص للرواتب يعتبر الباب الأعلى للصرف، فهو يشكل من 60 إلى 70 في المائة من الميزانيات التشغيلية، لكن هذا البند لا يمكن التحكم فيه إلا في نطاق ضيق وفي حدود التأكد من توظيف موارد بشرية مؤهلة ومنتجة. لذا فإن شراء الأجهزة الطبية يأتي في نطاق المصروفات والتموين الذي يمكن التحكم فيه مباشرا. فالأقسام الطبية تتنافس فيما بينها لقطع الجزء الأكبر من الكعكة المخصصة للمصروفات على شراء الأجهزة الطبية. ومن هنا تكمن أهمية تحديد الكيفية التي من خلالها يستثمر هذا الباب. فشراء الأجهزة الطبية يجب أن يدار وفق الخطط الاستراتيجية للمستشفيات. فمثلا مستشفى متخصص في علاج الأورام لا بد أن يكون لقسم الأورام الحظ الأوفر من الميزانية بينما مستشفى متخصص في علاج الأطفال لا بد أن يكون لهذا القسم النصيب الأكبر من الميزانية. كما أن الوضع الصحي للبلد يلعب دورا أساسيا في تحديد أولوية الصرف بحيث تكون الأولية الشراء للأجهزة التي تساعد على إيجاد حلول للتحديات الصحية التي يواجهها المجتمع. عند النظر إلى الغاية التي من أجلها تتم عملية شراء الأجهزة الطبية فنجدها لا تخلو من تحقيق خمس غايات. فإما أن يكون الهدف من شرائها التحكم في معالجة المريض control، أو المساعدة في سرعة التشخيص للحالة المرضيةDiagnosis ، أو المشاركة في إعطاء دلالات عامة لحالة المريض الصحية Monitoring، أو جمع المعلومات عن المريضInformation Gathering، أو تقييم حالة المريض الصحية Evaluation. ومن هنا يأتي السؤال: هل الأولوية لشراء الأجهزة التي تساعد على تشخيص المرض؟ أو للأجهزة العلاجية أو لأجهزة المتابعة؟ أو لأجهزة التقييم؟ أو لأجهزة جمع المعلومات؟ وهل من الممكن تقديم رعاية صحية دون توافر هذه الأجهزة؟ قد يغلب على هذه النظرة التنظير البعيد عن الواقع لأن قرار شراء الأجهزة الطبية مرتبط بالمشاريع المراد إقامتها أو إكمال تنفيذها بعيدا عن التصنيف السابق الذكر. فأهداف المشاريع غالبا ما يكون لها ارتباط مباشر إما بزيادة الطاقة الاستيعابية أو تقديم خدمة طبية جديدة. كما أن الأولوية بين الأجهزة التشخيصية والأجهزة العلاجية وغيرها قد تختلف بحسب الوضع الحالي للمستشفى. ففي وقت تكون الأولية لأجهزة المتابعة، بينما في حالات أخرى تكون الأولوية للأجهزة التشخيصية، وهكذا التقليد المتبع في كثير من المستشفيات أن الألحن حجة له النصيب الأوفر من الميزانية. كما أن عدم معرفة بعض مديري المستشفيات ـ خصوصا ممن ليس لديهم دراية إدارية يصعب تحقيق معادلة الاستثمار الأمثل للموارد المالية. كما أن التفرد في اتخاذ القرار يغلب أحيانا الدافع النفعي الشخصي على المصلحة العامة. من زاوية أخرى يمكن النظر قبل شراء الأجهزة الطبية إلى أهمية الجهاز الطبي بالنسبة لصحة الإنسان ونوعية المرضى المعالجين وعددهم ومن ثم مقارنة القيمة المدفوعة بالفائدة المرجوة من الجهازCost/Benefit Analysis. ولإيضاح مفهوم مقارنة التكلفة بالفائدة المرجوة cost/benefit analysis (ولعلي في مقالات لاحقة أن أوضح الفرق بين Cost/Benefit & Cost/Effective)، فإني استعيض التشبيه بالسيارة بدلا عن الجهاز الطبي من أجل تسهيل إيصال المعلومة. فلنفرض جدلا أن لدينا عشر ركاب نريد نقلهم من نقطة (أ) إلى نقطة (ب). المدير الأول يغلب جانب الرفاهية على تقديم الخدمة، لذا فهو يرى أن يستثمر الميزانية لشراء سيارة واحدة "لكزز" لنقل أربعة أشخاص من نقطة (أ) إلى نقطة (ب). فالجميل في هذه الطريقة أنها مكنت أربعة أشخاص للحصول على رفاهية مطلقة ووصول للنقطة المرجوة، لكنها لم تمكن الستة الباقين من الحصول على أي وسيلة نقل. المدير الثاني لديه استراتيجية مختلفة كليا حيث يرى أن الهدف نقل كل الركاب إلى النقطة الأخرى ومن ثم تأتي الرفاهية كخيار ثاني. فوجود وسيلة تمكننا من نقل الجميع هدف بذاته، بغض النظر عن مستوى الرفاهية في الوسيلة نفسها. فيستغل الميزانية لشراء ثلاث سيارات محدودة الرفاهية. فيشتري ثلاث سيارات "هايلوكس" يتم عن طريقها نقل الأشخاص العشرة. قد يواجه هذا المدير بعض التذمر من بعض الأشخاص الساعين وراء الرفاهية لعدم شراء سيارات أكثر رفاهية. المدير الثالث لديه استراتيجية مبنية على أن توفير الوسيلة ذات الرفاهية العالية أو المحدودة يعتمد على نوعية المرضى. فالقرار يعتمد على نوعية الركاب وأهمية الركاب. فالقرار متروك لنوعية الركاب بين اللكزز والهايلوكس. وللأسف أن قرارات بعض مديري المستشفيات بما يتعلق بشراء الأجهزة الطبية آنية وليست مبنية على استراتيجية المنشأة وخططها المستقبلية. فالميزانيات الصحية مهما بلغت ضخامتها تظل محدودة إذا لم تستثمر بالشكل الأمثل. لذا فإن شراء الأجهزة الطبية من القرارات التي يجب دراستها بعناية من خلال تحديد أهمية الجهاز وفائدته بالنسبة للمريض والمنشأة. كما أن تصنيف الأجهزة الطبية ومردودها على الخدمة المراد تقديمها عوامل تساعد للوصول إلى القرار الذي يصب في مصلحة المريض. وللحديث بقية.
إنشرها