Author

أرامكو السعودية كنموذج

|
مختص في التمويل والتنظيم وأكاديمي
[email protected] لا أشك أن المرحلة التي مر بها التأمين على الرخصة سيمر بها التأمين الصحي خصوصا ما يتعلق بارتفاع التكلفة التأمينية، مع اختلاف أن التأمين الصحي سأتأثر به شركات القطاع الخاص مباشرة بينما تأمين الرخصة يلامس المواطن مباشرة. فمثلا عندما بدأ تطبيق التأمين على الرخصة كان التسويق له من باب أن تكلفة تأمين الرخصة محدودة جدا "ريال عن كل يوم". لقد كانت بمثابة الطعم لتقبل المجتمع للتأمين على المركبة في ظل محدودية التكلفة (فغياب تكامل الأنظمة أدى إلى إساءة استخدام التأمين على الرخصة من بعض الأفراد أو بعض رجال المرور أو شركات التأمين). فسوء الاستخدام وغياب الرؤية المتكاملة بين القطاعات المختلفة قاد شركات التأمين إلى زيادة قيمة بوليصة التأمين إلى قريب من الضعف بدعوى أن شركات التأمين تعرضت لخسائر نتجه سوء استخدام البطاقة التأمينية. فتأمين الرخصة الذي كان حلا بالأمس نراه اليوم مشكلة لذا تم استبدال تأمين الرخصة بتأمين المركبة. وقد سبق أن تنبأت بمسير تأمين الرخصة قبل أكثر من ثلاث سنوات بمقال بعنوان "هل حقق تأمين الرخصة الهدف؟". للأسف إن أنظمتنا الصحية ينطبق عليها "حلول اليوم مشكلات المستقبل". فالحلول التكاملية غائبة أو مغيبة في ظل غياب النظرة الشمولية لخدماتنا الصحية. النظام الحالي للتأمين الصحي لا يساعد الشركات مستقبلا على ضمان حصول موظفيها على تغطية تأمينية ذات جودة عالية وبتكلفة معقولة. فالنظام الحالي للتأمين الصحي لا توجد فيه آليات عملية للحد من ارتفاع تكلفة التأمين الصحي مستقبلا فخلق جو من التنافس بين شركات التأمين لا يكفي للحد من ارتفاع التكلفة العلاجية كما سبق أن أوضحت في أكثر من مقال. لذا فإن على الشركات الكبرى كشركة أرامكو السعودية وغيرها اتخاذ خطوات عملية تساعدها على الحد من ارتفاع التكلفة التأمينية التي ستواجهها مستقبلا. فهناك سؤال حيوي على صناع القرار في الشركات الكبرى التفكير مليا قبل الإجابة عليه كيف يمكننا أن نسهم في تقليل تكلفة التأمين الصحي مع عدم الإخلال بواجبنا تجاه تأمين رعاية صحية شاملة بجودة عالية لموظفينا؟ هذه السؤال حيوي وتتطلب الإجابة عليه دراسة عميقة للعوامل التي تسهم في ارتفاع التكلفة العلاجية. لكن سأكتفي في هذا المقال بإعطاء إشارات في كيفية تحقيق معادلة عادلة بين تقديم الرعاية الصحية بجودة عالية مع المحافظة على تكلفة التغطية التأمينية في حدود المعقول. فأقول يمكن للشركات وقد اخترت شركة أرامكو كنموذج نظرا لوجود قطاع صحي ومستشفى متخصص تشرف عليه. فشركة أرمكو يمكنها الحد من ارتفاع تكلفة التأمين الصحي عن طريق الخطوات العملية التالية: * الاستثمار في تأهيل مراكز الرعاية الصحية الشاملة من خلال التركيز على تخصصات طب الأسرة والمجتمع والأطفال والطوارئ والرعاية العامة للأسنان (كما ذكرت تفصيل عملها في مقال سابق بعنوان "مراكز الرعاية الأولية من يقلب هرم الخدمة لصالح المواطن؟"). فكما هو معلوم أن 80 في المائة من طالبي الخدمة الصحية يمكنهم الحصول على الرعاية الصحية وبجودة عالية عبر هذه المراكز. كما أن هذه المراكز ستكون بمثابة الضابط والمتحكم لمسيء استخدام الخدمات الصحية سواء من طالبيها – المرضى - أو مزودي الخدمات العلاجية - المستشفيات. فمما يميز هذه المراكز أن تكلفتها التشغيلية محدودة إذا ما قورنت بالتكلفة التشغيلية للمستشفيات خصوصا أن الخدمات الصحية متجهة عالميا نحو دعم عمليات اليوم الواحد وتقليل إقامة المرضى في المستشفيات من أجل تقليل التكلفة العلاجية. * كما أن على هذه المراكز دورا حيويا في تسجيل جميع الحالات الطبية المحولة للمستشفيات وسبب تحويلها من أجل المساعدة على التخطيط المستقبلي والمفاوضة المستقبلية مع شركات التأمين على نوعية التغطية الصحية المراد تغطيتها مستقبلا. * يتم الاتفاق على التغطية الصحية التأمينية مع أحد شركات التأمين. يتم الاتفاق على أن تقتصر التغطية التأمينية للحالات الصحية المحول عن طريق المراكز الصحية الشاملة إضافة إلى خدمات التنويم فقط. فنوعية التغطية التأمينية عامل مهم جدا عند حساب البوليصة التأمينية. * يتم عمل تقييم سنوي لنوعية الحالات الصحية المحولة للمستشفيات ودراستها cost/benefitsبحيث تقيم كل الحالات الصحية وفق معايير محددة ووفق الجودة الصحية والتكلفة العلاجية. فمن مميزات هذه الطريقة أنها تمكن الشركات من المحافظة على التكلفة العلاجية مع اعتبارها للنقاط الآتيه: * الحد من مسيئي استخدام الخدمة العلاجية من المرضى أو تقليل ما يعرف بـ Moral Hazard. فمما لا شك فيه أن زيادة مسيئي استخدام الخدمة الصحية تزيد من التكلفة التأمينية. لذا فإن شركات التأمين تحاول الحد من مسيئي استخدام الخدمة الصحية عن طريق مشاركة المريض بدفع جزء من التكلفة العلاجية كنسبة مئوية من الفاتورة العلاجية أو أن تتكفل شركة التأمين بدفع ما يزيد على مبلغ معين مثلا 50 ريالا. فعند علم طالب الخدمة أن عليه دفع مبلغ 50 ريالا عند مراجعته إلى المستشفى فإن سيفكر في مدى حاجته الفعلية للخدمة قبل طلبها. كما أن هناك طرقا عديدة أخرى تستخدمها شركات التأمين للحد من مسيئي استخدام الخدمة ليس المجال لذكرها. فكلما زادت طرق الحد من مسيئي استخدام الخدمة كلما قلت التكلفة التأمينية. لكن يقود الحد من مسيئي استخدام الخدمة العلاجية أحيانا إلى صعوبة حصول المرضى على الرعاية الصحية التي يستحقونها أو ما يعرف بـ Access to Health care. لذا فإن وجود هذه المراكز الصحية الشاملة تفيد في الحد من مسيئي استخدام الخدمة كما أنها تمكن المرضى من الحصول على الرعاية الصحية بسهولة. * الحد من سوء استخدام الخدمة من قبل مزوديها ـ المستشفيات. فعند تولي مراكز الرعاية الشاملة دور المحول فإن دور المستشفى المتخصص سيكون محدودا ويمكن الحصول على التشخيص الأولي من تحاليل وخلافه من قبل مراكز الرعاية الشاملة. * الحد من مسيء استخدام الخدمة (سواء من متلقيها - لمريض أو مزود الخدمة العلاجية - المستشفى) سيساعد شركة أرامكو أو غيرها من الشركات على الوصول إلى اتفاق عادل مع شركات التأمين. * تكلفة loading charge على شركة أرامكو ستكون قليلة نظرا للعدد الكبير لموظفي "أرامكو" لكن طبيعة عمل الشركة قد لا تصب في مصلحتها تأمينيا. * استثمار الميزانية المخصصة للصحة في نطاقها المعقول وحسب (cost/effective). فمن الغريب أن شركة أرامكو السعودية استثمرت في المجال الصحي بتكلفة عالية جدا. فمثلا يوجد في مركز الظهران الطبي (وهي تسمية قديمة لا تعكس حقيقة عمله كمستشفى تخصصي) تخصصات طبية دقيقة لا يحتاج إليها إلا في نطاق ضيق. كما أن المركز لديه أجهزة طبية مكلفة دون تبرير حقيقي لشرائها كـ liner accelerator وغيرها من الأجهزة المتخصصة. * في اعتقادي أن على الشركة التركيز على الخدمات الصحية العامة والتي تحقق الأهداف السابق الإشارة لها. فتركيز الشركة على الاستثمار في التخصصات الطبية الدقيقة مكلف جدا كما أن الخدمات التخصصية تستهلك ما لا يقل عن 80 في المائة من الميزانيات الصحية. * أرامكو السعودية شركة بترولية مرموقة عالمية لا شك في ذلك لكنها باستثمارها بتكلفة مرتفعة جدا في المجال الصحي تكون قد انحرفت جزئيا عن تركيزها الأساسي. لكن يبقى للشركة مركز الظهران الطبي المجهز بتجهيزات عالية. فيمكن للشركة استثمار هذا المركز الطبي المميز وذلك بالدخول شراكة مع أحد رواد مزودي الخدمة العلاجية لاستثماره. فعصر العولمة يفرض على الشركة ترتيب أولويات الإنفاق والاستثمار العائد مباشرا على نشاط الشركة الأساسي. لا شك أن شركة أرامكو من الشركات الريادية المتميزة التي نفتخر بها لذا فإني أرى أن تبدأ بأخذ زمام المبادرة لتكون نموذجا لتكامل الرؤية بين المدخلات والمخرجات والحد من ارتفاع التكلفة العلاجية. ففي أمريكا بلغ ارتفاع القسط التأميني الخاص بالموظفين نسبة 9 في المائة خلال السنوات الخمس الأخيرة. كما أن مشاركة الموظفين في تكلفة القسط التأميني زادت 143 في المائة منذ عام 2000. فهل من مجيب؟؟
إنشرها