Author

فقط مُدّ يدَك وتناوله.. رمضانيات - 3

|
.. حدثني أبوه متألما: كان ابني وليد سعيدا فرحا يلعب الكرة ثم أن قطعة أسمنت ناتئة في ساحة اللعب كسرت مشط قدمه وهو يركل الكرة". غُم عليه قليلا، وصار يتمتم بينه وبين نفسه. قلت له: "يا أبا وليد، صحيح أن ابنك يتألم الآن وسيشفى فيما بعد بإذن الله. أرجو ألا تنسى أنك قلت إنه كان سعيدا جذلا وهو يلعب مع صحبه، لمَ ختمتها وكأن الأحزانَ تشطب السعادة؟ لحظات السعادة التي عاشها وليد تلك، لن ينساها وسيضحك وسيسعد عندما يتذكرها، بل مع مرور الوقت حتى كسر المشط سيكون من ذكريات يتندرعليها". هذا ما يحدث دائما، خفقاتُ قلبِ الحياة يتصاعد في الترح ويتصاعد في الفرح، ويبقى قلبا نابضا جميلا صحيحا في مسار الأزل للأبد. نحن نعتقد أننا نتمزق بين الدموع والضحك ونحن نواجه الأزمات الصغيرة والكبيرة، ومناسبات الفرح الصغيرة والكبيرة. وهي كلها حزن وسعادة بغض النظر عن حجم مناسبتها.. إن وظائف الأعضاء في الجسد تأحذ ذات التفاعل والأداء في اللحظة، وتعطيها لونها العاطفي بتناسقٍ واتساقٍ وتساوٍ. مؤسف أن من يسلـِّمون أنفسهم للأحزان، وهي جاهزة دائما لحضن من يختارها، تـُحسن وفادته، ولن تتركه طليقا.. فتنهزم طموحاتهم وتذبل شعلة عقولهم، بل وتضر عضلاتهم الحركية، وهم مستمرون لأن للحزنِ قبضة قوية مؤلمة ومع الزمن وبشكل غامض وغريب يبدأ من وقع بهذه القبضة يتلذذ بها ويستكين إليها ويتحدث فيها ولها، لأنه لا يجد ذاته إلا بالتعبير عن ضعفه ومسكنته والظلم الواقع عليه وكأنه الوحيد في الكون، وقرر الكونُ التآمر عليه وحده.. وتتمادى المسالة فيرخي الحزنُ قبضتـَه ولا يحاول المقبوض عليه الخروج، فقد وجد بها ملاذا سلبيا وجد نفسه بها لا يريد الخروج، لأن الخروج يعني فقدان المأوى وفراغ البضاعة الشخصية من مبررات الشكوى والتمسكن واستقواء الآخرين عليه.. ولا يسأل نفسه لم هو في موضع الضحية ولم الآخرين في موقع القوة؟ فهم بشر مثلهم؛ زميله بالصف وصل لمراتب عليا، وابن الجيران حقق نجاحاتٍ كبيرة.. ولكن الاستغراق بالحزن حتى الغرق، يمنع رؤية ما فوق السطح ويتعود على عدم الرؤية في غياهب الأعماق. أعتقد بكل قوة القناعة التي أملك، أن هناك آلاف الأشخاص الذين قد يعتقد غيرهم أن الحياة واقفة لهم بالرصاد، وتحرمهم الظرفَ المناسب والوضع الكريم ولا تكتفي بل تقيم في طريقهم العقبات تلالا وجبالا.. ولكنهم في سعيهم لا يفكرون إلا في إزالة العوائق بتحدي الظروف مهما صعبت لأنهم يستولدون كل مرة قوة أكبر، عقلية وجسدية ونفسية وإراداية، للإستجابة لتحدٍّ متصاعد مع تصاعد الاعتراضات والموانع. لا، بل يجب أن يصعدوا أعلى منها كي يتجاوزوها ويكملوا طريقهم لمحطاتهم اللامعة من بعيد أقوى وأكثر ثقة وأعلى استعدادا وأنضج شخصية وأحكم في خياراتهم. إنهم إن -أردتم- يعرفون آلاف الطرق للتحايل على كل عقبةٍ تضعها الحياةُ أمامهم.. لماذا؟ لأنهم يعرفون أن الشكوى والتبرير وإلقاء اللوم والتذمر لن ينقلهم مليمترا للأمام، بل سيجرهم منزوعي الإرادة أميالا للخلف. لذا أصحاب الإرادة والطموح يحرقون سفن الإحباط والتشاؤم واللوم وإبداء المسكنة.. فيكون خيارهم الوحيد خوض حربٍ ضد جيوش العراقيل، ودوما.. ينتصرون. لماذا يكون الطامحون المتحدون الأبطال هكذا؟ تعرفون ليه؟ لأنهم اتصلوا مع أشياء أو عناصر أونظريات من عقول أو كتب تعطيهم السكينة والأمل والشجاعة والثقة. نحن أكثر العالم حظا بمسألة السكينة والثقة التي تعطينا قوة الدفع للمِضِيّ.. فقط.. تناول القرآن.
إنشرها