Author

الأمانة التي نتناقلها عبر الأزمان

|
رمضانيات - 2 .. العالمُ القديمُ .. قديم. نعرف من الطبقات الصخرية، ومن علم البحار، العمرَ الكامل لكوكبنا الأرض، لكننا لا نعرف بالضبط تاريخ العمل الإنساني قبل التاريخ، أي قبل أن نتوصل لطريقة لمعرفة التاريخ، لذا نقول إن هناك تاريخين نستخدمهما حاليا، التاريخ المعروف، والتاريخ المدوّن. فجرُ المسيرة البشرية العلمية الحقيقية، بدأ مع القفزات الطفرية للحظات العلمية التاريخية، داقة الناقوس الكبير عبر القرون التي ستأتي، من الحضارة الكبرى القادمة من مصر، الحضارة الفرعونية، ثم الحضارة البابلية من حضارات ما بين النهرين، مع أنه سبق البابليين حضاراتٌ في المنطقة نفسها، إلا أن لحظة الثورة المعرفية بدأت بشكل واضح مع البابليين.. أتعلمون أن البابليين والفراعنة كانوا في سباق نحو الاختراعات؟ أنصح بقراءة كتبٍ عن أنثربولوجيا تاريخ الاختراعات، من أعجب الكتب وأمتعها وأعمّها فائدة. لقد تعلم البشرُ أهم درجة في ''تكوين'' الحضارات وهي الكتابة، وبرع فيها الفراعنة والسومريون والبابليون والفينيقيون، وكانت غائبة كليا عن بقية العالم.. مع أن الصين أعلنت أخيرا أنها وجدت كتابة صينية قبل خمسة آلاف سنة.. على أننا حتى الآن لم تصلنا المعلومات المؤكدة حول ذلك. ثم بدأ عهدُ المعلمين الكبار، أزهي أحقاب الحضارة عل الإطلاق، وما زال باقيا وإن تغيرت الطرق والآليات والتعليم الجماعي ثم الكوني. طلع علينا أرسطو وأفلاطون وسقراط وزينون الإغريق الذين تأملوا في الإنسان من الداخل ومن العالم المحيط به. وبينما تسود حضارات وتموت حضارات من مصر للصين، تطلبت الحاجةُ لظهور المدن والجيوش التي تحمي المدن، وجاءت معها باقاتُ اختراعات كبرى في كل مجالات العلوم لتمكّن من الحياة والاستقرار والنمو في الحواضر الجديدة. تطور علمُ المعمار، وهندسة الري، وصناعة الأسلحة، والفكر الاستراتيجي في الحروب، والطب والصيدلة والكيمياء. وسمّيْنا عصراً من العصور بالعصر البرونزي لأن الإنسان بدأ يصنع منه الأدوات والمعدات، والرافعات، والطواحين. وتطورت إدارة المجتمعات الكبيرة كالمدن ثم الأمم. ثم جاء ما أسميه بزمن الدقة، فظهرت الموازين الدقيقة نسبة لتلك العصور، والروزنامات الزمنية المدهشة الدقيقة وبرعت فيها شعوبُ ما بين النهرين، وحضاراتُ أمريكا الجنوبية، وبدأ ساطعا علم الحساب في الحقول والمتاجر والتجارة والملاحة والفلك والأنواء، في ذات الوقت الذي كثر فيه مراقبو النجوم ويسمونهم بالغرب Stargazers. وبدأت حسابات الفلك والرصد النجمي من أيام ''هيباركوس'' الإغريقي الذي بعبقرية لا تصدق رسم خريطة السماء بنجومها وكواكبها ومواقعها، والأعجب أنه رسمها بانحناء وكأنه قرأ وفهم نظرية أينشتاين قبل آلاف السنين من ظهورها، وعبقري مذهل آخر يوكليدوس في الهندسة، ثم تربع على قمة العلوم العقلية خصوصا الرياضيات، وفتح جسرا نحو عوالم معرفية وتطبيقية ''الخوارزمي'' الذي هو بحق مؤسس علم الرياضيات. إن الإنسانَ لم يقف عن التفكير في العلوم وبناء الحضارة منذ كان الإغريق يرون أن كل عناصر الأرض هي عبارة عن أربع: الترابُ، والنارُ، والماءُ والهواء. إلى جدول العناصر الكيميائية الحالي الذي يمثل روعتين: روعة العقل الإنساني، وروعة التصميم الرباني. كل ذلك إنما هو رحلة العقل الذي ذكره الله في القرآن لأنه من عجائب صنعه، إن لم يكن أعجبها.. ودليل على أن الله استخلف الإنسان على الأرض. هل الإنسان يخون الآن تلك الأمانة؟ .. فصْلٌ آخر!
إنشرها