Author

تنوع سياسات الدول الغربية للخروج من الأزمة

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
في الدول الغربية التي تعيش أزمة اقتصادية، في الفترة الحالية نجد أن هناك تنوعا في سياسات كل دولة للخروج من الأزمة، ففي الولايات المتحدة تشهد نوعا من الانتعاش الاقتصادي انعكس على الأسواق المالية، إضافة إلى خروج مجموعة من الاستثمارات من المعدن النفيس وهو الذهب، الذي شهد انخفاضا شديدا أشبه بالانهيار بعد أن تجاوز 1900 دولار، وأصبح على مشارف الألفين، يشهد اليوم انخفاضا اقترب فيه من 1200 دولار. اتخذت الولايات المتحدة سياسة ما يسمى التيسير الكمي، حيث استعادت سندات الحكومة من خلال شرائها، ليتم ضخ هذا المال في الأسواق، وما إن بدأ الاقتصاديون يتوقعون أن برنامج التيسير الكمي أوشك على الانتهاء إلا بدأوا في الاستثمار في الأسواق المالية، والابتعاد عما يسمى الملاذات الآمنة ومنها الذهب، حيث يتوقعون أن الأسواق حاليا بدأت تتحسن، وبالتالي أصبح لدى المستثمرين رغبة في البحث عن فرص في الأسواق المالية والشركات المساهمة، حيث شهدت ركودا في الفترة الماضية، ما جعل هناك فرصا حقيقية متاحة للاستثمار. في الجانب الآخر في أوروبا وبالتحديد بريطانيا اتخذت الحكومة مجموعة من الخطوات بغرض التخفيف من حدة الأزمة، ومن ثم العمل على التعافي من الأزمة، فبعد الزيادة التي تمت على الضرائب، حيث زادت الحكومة الضرائب على السلع والخدمات على ما كانت عليه في السابق، والآن للخروج من الأزمة تعمل على تنشيط سوق العمل من خلال زيادة الإنفاق على المشاريع المتعلقة بالبنية التحتية، إضافة إلى الاستمرار في الإنفاق بصورة مستمرة على التعليم والصحة، حيث أعلن وزير المالية خطة الإنفاق إلى عامي 2015 و2016، حيث جاء الإعلان متضمنا إجراءات للخروج من الركود إلى التعافي، وتتضمن خطة الإنفاق الزيادة لكل عام بمقدار ثلاثة مليارات دولار، وتتضمن الخطة الإنفاق على البنية التحتية فيما يتعلق بالنقل وخطوط السكك الحديدية، إضافة إلى الإنفاق لتحسين شبكة الهاتف وغيرها من مشاريع البنى التحتية دون الدخول في التفاصيل. مثل هذه الخطوات التي تتخذها الحكومة البريطانية تحقق أمرين مهمين للحكومة: الخروج من الأزمة المالية، وتنشيط السوق، بحيث لا يشعر المواطن بآثار الأزمة المالية، وذلك من خلال تنشيط سوق العمل من خلال هذه المشاريع التنموية التي تحتاج إليها عامة البلاد، وتعوض نقص الطلب في سوق العمل في قطاعات تشهد ركودا نوعا ما، بحيث تتحول القوى العاملة من قطاع إلى آخر ويخفف ذلك من حالة البطالة التي تولد مشكلات للمجتمع، كما أنها في الوقت نفسه تخفف على الحكومة التكلفة في الإنفاق على المشاريع التنموية، إذ إنه في حال الركود تقل تكلفة المشاريع، مقارنة بالفترة التي تشهد انتعاشا، وفي لقاء ببعض الأصدقاء في مدينة أدنبرة يتحدث بعضهم عن إنفاق الحكومة على مشروع قطار داخل المدينة، الذي بدأ العمل فيه بعد الأزمة المالية العالمية، وذلك لأن النقل العام من خلال النقل الجماعي أو الحافلات يؤدي المطلوب، وليست هناك إضافة فعلية لمثل هذا المشروع. ومثل هذا المشروع قد يكون في الأساس مخططا له حكوميا، لكن البدء فيه بعد الأزمة تلقائيا سيحقق انتعاشا في سوق العمل، حيث لو افترضنا الصورة العامة للحالة الاقتصادية دون هذه المشاريع أن بعض المصانع قد تغلق، وقد يؤثر في فرص الدخل مستقبلا، في حال انتعاش الاقتصاد العالمي، إضافة إلى زيادة البطالة التي ستؤدي تلقائيا إلى مزيد من طلبات الإعانة الحكومية التي يتم الإنفاق من خلالها على العاطلين عن العمل دون مقابل، علما أن مثل هذه الدول الصناعية تعتمد بشكل كبير في مشاريعها على منتجاتها، وهذا ما يعزز نشاطها اقتصاديا. وما يستفاد من هذه التجربة هو أنه لا بد أن يكون هناك توازن في الإنفاق على المشاريع التنموية، حيث تشهد المملكة اليوم حالة من الانتعاش غير المسبوق، الذي عزز الإنفاق على كثير من المشاريع، وهذا الإنفاق لا شك أنه لا بد منه، خصوصا في المشاريع الضرورية، لكن هناك مشاريع تطويرية لا تصل إلى حالة الضرورة فيمكن جعلها من خلال برامج مستقبلية لتخفيف حالة من الإنفاق الكبير الذي أدى إلى التضخم، كما أنه ليس من المعلوم مستقبلا مدى إمكانية الاستمرار في الإنفاق على المشاريع مستقبلا بالوتيرة نفسها، ما يؤدي إلى حالة من الكساد في قطاعات المقاولات والإنشاءات، وهذا بدوره قد يضر كثيرا بسوق العمل والوظائف. الخلاصة أنه من المهم أن تكون هناك سياسات متوازنة في الإنفاق لتعزيز الاستدامة في سوق العمل والمشاريع التنموية، وبما لا يضر بالاقتصاد في حالة وجود نوع من الركود.
إنشرها