Author

البرامج والتطبيقات المحاسبية والإدارية .. هل من رقابة؟

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
انتشرت اليوم كثير من المؤسسات التي تدعي امتلاك تطبيقات للأعمال المحاسبية والإدارية، وهناك كثير من ممارسي هذا العمل بعيدا عن عين الرقابة ودون الحصول على تراخيص تثبت تأهيلهم لذلك. البعض يعتقد أن هذا الموضوع مجرد برمجة للحاسب الآلي لا تستدعي التدخل، لكن المشاهد للممارسات يعرف أن المسألة أعقد وأخطر من ذلك بكثير، فمعظم هذه التطبيقات تفتقد الكثير من الأدوات التي يحتاج إليها العمل المحاسبي والإداري، بينما هي تباع بأسعار مبالغ فيها عادة، وهي كثيرة الأخطاء، كثيرة المشكلات ونتائجها تفتقد الكثير من الدقة، بحسب رأي الكثير ممن يستخدمونها، ومن المعروف أن السجلات المحاسبية يجب أن تتصف بالدقة والموثوقية حتى يمكن الاعتماد عليها، فإذا تم إعداد هذه السجلات من خلال تطبيقات إلكترونية تفتقد هذه الدقة فإنها ستؤثر حتما في الثقة والمصداقية في أعمال المحاسبين ونتائجها. من الملاحظ أن ممارسة هذا العمل تتم من خلال استنساخ الأفكار وسرقة النسخ والمعادلات اللوغارثمية التي تبنى عليها البرنامج، وأي مسح بسيط للبرامج المتداولة باللغة العربية يجدها على قلب نسخة واحدة، كما أن هذه البرامج تفتقد المرونة إلى حد بعيد، فجميعها مصممة لمؤسسات تجارية صغيرة "بقالات وخلافها" على أساس أن مفهوم الملكية وقياس المخزون واحدة في جميع المنشآت، كما أنها تقوم بأخطاء كبيرة في عمليات الترحيل للحسابات تستدعي من المحاسب الجيد طباعة تقرير الحساب كل فترة ومراجعته بطريقة يدوية للتأكد من صحة الترحيل، ولا تخلو هذه البرامج من مفاجآت مثل وجود رصيد لحساب مصروف بالدائن أو إيراد بالمدين، وهي مشكلات كثيرة يعرفها ويعانيها من يتعامل مع هذه البرامج، ومع ذلك فقضية الأخطاء التي تتسبب فيها هذه البرامج ليست هي المقصودة من هذا المقال، خاصة أن البعض قد يجادل بالقول: إن هذه الأخطاء ليست بالضرورة من البرامج، بل من المحاسب الذي يقوم بإدخال البيانات، لكن المقصود هنا أن هذه الشركات والمؤسسات التي تعد مثل هذه البرامج ليس عليها إشراف من أي جهة، بينما هي تسوق منتجاتها في السوق وإلى جميع المؤسسات على أساس أن فرضية ضمنية عند المشتري، وهي أن الحاسب الآلي لا يخطئ، لكن الحقيقة أن البرمجة فيها الكثير من المشكلات التي لا يعرفها المستخدم البسيط، بل قد تتسبب له في خسائر نتيجة اعتماده عليها في اتخاذ قرارات خاطئة. وبخلاف الأخطاء التي تتسبب فيها التطبيقات المحاسبية والإدارية العربية منها خاصة، فهناك مشكلات عدم وجود دعم فني سليم وفي الوقت المناسب، فإذا تم طلب الدعم الفني بسبب تعطل البرنامج أو وجود تقارير غير صحيحة فإما أن يتم تجاهل الطلب أو أن تتأخر الاستجابة بشكل مزعج جدا، ما يشكل صعوبة كبيرة في إعادة تشغيل البيانات باستخدام البرنامج، وهناك مشكلات أكثر عمقا في مسائل التدريب، فعند شراء هذه البرمجيات لا يحصل المشتري على أي دليل يوضح خطوات العمل أو يوضح المشكلات المتوقعة وكيفية التعامل معها، كما أن التدريب منعدم وإذا وجد فهو بسيط جدا لا يتعدى كيفية فتح البرنامج وإعداد بعض الخطوات الهامشية، وعند طلب تدريب متقدم فإن الأسعار تتجاوز المعقول مقارنة بسعر المنتج نفسه. فالمشكلات التي تصاحب هذه الصناعة كبيرة جدا، والسوق في حالة من الفوضى وكل من له خبرة بسيطة في البرمجة فإنه يسعى إلى فتح مؤسسة ويعمل فورا من أجل بيع منتجات محاسبية منسوخة بلا دعم فني وبلا التزامات مهنية وضمانات كافية، حتى وإن تم الوعد بمثل هذه الضمانات فإن الالتزام بها محل شك. وبالنظر لما تقوم الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين من إصدار معايير محاسبية للمؤسسات غير الهادفة للربح، إضافة إلى تبنيها معايير التقارير المالية الدولية وما تشملها من معايير خاصة بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة، فإن حال معظم البرمجيات والتطبيقات التي تباع في السوق محل نظر، ويجب أن تتم مراجعتها والإشراف عليها بحيث يمكن الاطمئنان على أنها تتناسب مع حالة المؤسسات التي تشتريها، فلا يجوز بيع برامج محاسبية مصممة لمحال تجارية لجمعيات خيرية تختلف مفاهيم الملكية فيما بينها اختلافا جوهريا، كما لا يجوز بيع تلك البرامج لمؤسسات خدمية يختلف فيها مفهوم المخزون. إنني أهيب بالهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس أن تعمل بالتعاون مع الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين والجمعيات المهنية التي تهتم بشؤون الحاسب الآلي على تطوير برنامج للرقابة على جودة هذه المنتجات التي انتشرت كالنار في الهشيم، وأن تضع مواصفات ومقاييس لهذا النوع من المنتجات التي تتلاعب بالصورة الاقتصادية للمؤسسات الخاصة الصغيرة والمتوسطة، وقد تقود إلى قرارات خاطئة تتسبب في فشل هذه المؤسسات في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على الرفع من أدائها وتحسين أعمالها وتطوير الفرص المناسبة لها.
إنشرها