Author

الفاقة والجوع يتهددان العالم

|
نشرت صحيفة ''الأوبزرفر'' البريطانية في الشهر الماضي تحقيقاً يحذر من كوارث تتهدد الغذاء في العالم، وأكد التقرير أن قارة إفريقيا ستتحول إلى منطقة كوارث في العقد القادم، وأن نتائج هذه الكوارث ستكون فادحة بالنسبة للفقراء على وجه خاص، ووجد التحقيق صدى واسعاً في جميع الأوساط المهتمة بالبيئة. وتزامناً مع ما نشرته صحيفة ''الأبزيرفر''، فإن البنك الدولي أصدر تقريراً مرعباً يحذر من احتمال ارتفاع حرارة الأرض درجتين مئويتين بحلول عام 2040، وأشار البنك الدولي إلى أن هاتين الدرجتين ستتسببان في نقص ملحوظ في المحاصيل الزراعية في إفريقيا، وستنجم عنها فيضانات تطول أجزاء كبيرة من آسيا تتسبب في تعرض هاتين القارتين إلى كوارث غذائية وبيئية تلحق أضراراً فادحة بكل الناس، وبالذات الفقراء في هاتين القارتين. ويؤكد خبراء البيئة أن الحرارة إذا ارتفعت درجتين مئويتين، فإنها ستؤدي بالضرورة إلى نقص ملحوظ في المحاصيل الزراعية، كما ستؤدي إلى ارتفاع قياسي في درجة الحرارة التي سينجم عنها موجات من الأعاصير المدمرة التي تجتاح البشر والحجر في هاتين القارتين المنكوبتين. وعلى الرغم من أن فقراء إفريقيا وجنوب شرقي آسيا هم الذين سيدفعون ثمن ارتفاع درجة الحرارة بمعدل درجتين من قوتهم ومن حياتهم، إلاّ أنهم ليسوا هم المتسببون في ارتفاع درجة الحرارة، إنما المتسبب هي الدول المتقدمة التي بالغت في استخدام مواد شديدة الضرر بالبيئة. وحدد تقرير البنك الدولي المهم جداً أن جنوب الصحراء الكبرى ستسجل تراجعاً بنسبة 10 في المائة في إنتاجها الزراعي الإجمالي، و40 في المائة من أراضيها المخصصة لزراعة الذرة ستصبح غير صالحة للاستخدام بحلول الثلاثينيات من هذا القرن (يعني بعد 20 عاماً فقط)، كذلك فإن معدل السكان الذين يعانون سوء التغذية قد يزيد من 25 في المائة إلى 90 في المائة في المتوسط، بمعنى أن معدل الفقر في هذه المناطق سيرتفع إلى مستويات قياسية ومؤسفة جداً. ولفت البنك الدولي إلى أن مناطق جنوب وجنوبي شرق آسيا ستكون تحت مطرقة تهديد الفيضانات، وما حدث في باكستان في عام 2010 سيتكرر بمعدلات أكثر شراسة، كذلك ستتعرض مناطق في الهند لحالات جفاف تلحق أضراراً كبيرة بأمنها الغذائي. لذلك يشدد تقرير البنك الدولي على ضرورة إعطاء قضية المناخ أهمية كبيرة في سلم اهتمامات المجتمع الدولي، وإلاّ فإن زمام السيطرة على معضلة ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض ستكون خارج السيطرة. ويحذر تقرير البنك الدولي من أنه إذا لم يتخذ المجتمع الدولي مبادرات جادة وفاعلة لمنع ارتفاع درجات الحرارة، فإن الحرارة مرشحة إلى الارتفاع أربع درجات بحلول عام 2080، وعندئذ تكون الكارثة، حيث تعاني كل دول العالم استحالة استمرار الحياة فوق كوكب الأرض! وإذا كان البنك الدولي قد قام بواجبه وأهدى العالم هذه الدراسة الإحصائية الرصينة، فإن المطلوب من البنك الدولي أن يُسيس سياساته وبرامجه المالية تجاه دعم المشاريع ذات البعد البيئي النظيف. والحقيقة أن قيام البنك الدولي بواجباته لا تكفي، بل المطلوب من كل المنظمات الدولية وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة أن تتخذ قرارات حاسمة وفاعلة لإقرار سياسات آمرة وحاسمة إزاء المشاريع الضارة بالبيئة. ونلاحظ أنه منذ مؤتمر ريوداجانيرو الدولي الذي عقد في البرازيل في عام 1995 فإن الاجتماعات المتعلقة بالبيئة هي اجتماعات تتخذ القرارات على استحياء، وترجو وتتوسل الحكومات أن ترفق بالبيئة دون أن تضع حدوداً للمسموح والممنوع وتتخذ إجراءات عقابية مباشرة ضد كل دولة تتجاوز هذه الحدود. إن الولايات المتحدة والصين والهند ودول الاتحاد الأوروبي هي الدول التي خربت كوكبنا الأرضي، والمفروض أن يتجه المجتمع الدولي كله تجاه هذه الدول ويحملها مسؤولية ما جرى ويجري في كوكبنا الأرضي، ويطالبهم صراحة بانتهاج سياسات رفيقة بالبيئة، وأن تكون هذه السياسات معلنة وملزمة ومحددة بأوقات ومسؤوليات. الأكثر من هذا فإن المسؤولية تطول كل إنسان يعيش فوق كوكب الأرض وتطالبه من موقعه في أي موقع وفي أي مكان بأن يرفق بالبيئة، وأن يكون من حماتها المسؤولين، بمعنى المطلوب من المثقفين أن يضعوا البيئة النظيفة في مقدمة أعمالهم، وأن يكتبوا باستمرار عن البيئة النظيفة، ومن السينمائيين أن ينتجوا أفلاماً تركز عناوينها على أهمية حماية كوكب الأرض من التلوث، ومطلوب من الصناعيين أن يستخدموا المواد النظيفة في مصانعهم، ومطلوب من مؤسسات التعليم أن يدرسوا الطلاب أهمية نشر الوعي البيئي في المجتمعات، ومطلوب من رجل الشارع العادي أن يحافظ على البيئة النظيفة ابتداء من بيته ومن عمله ومن الشارع الذي يمر به والشارع الذي يعيش فيه. إذن الإنسان الذي يعيش فوق كوكب الأرض يحتاج إلى تعبئة عامة وشاملة عنوانها ''كوكب نظيف .. لا للتلويث''، ولا خيار أمام البشر إلاّ أن يعملوا بكل جد نحو حماية كوكبهم من المخاطر البيئية التي تتهدده وتنذر بدماره وزواله!
إنشرها