Author

الاقتصاد السعودي .. «كل حاجة سليمة بس لوحدها»

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
جهود ضخمة قامت بها الحكومة السعودية من أجل تنفيذ العديد من الإصلاحات الاقتصادية الواسعة، واليوم بدأت بوادر تلك الإصلاحات بالظهور ونمت براعم جديدة في الأغصان وهناك ثمار واضحة للعيان. لقد عانت الدولة عجزا كبيرا في الميزانية اعتمدت على تغطيته من خلال الاقتراض وهذا خلق مشكلة الدين العام التي وصلت إلى ما يقرب من 700 مليار ريال قبل تولي الملك عبد الله مقاليد الحكم في البلاد، وهو رقم كان ينذر بكارثة اقتصادية، كما كان حجم البطالة بين الشباب كبيرا ورغبة القطاع الخاص في المشاركة ضعيفة، التوطين بلا حل جذري وسوق المال ضعيفة بالكاد ضمت 64 شركة مساهمة عددا كبيرا منها برؤوس أموال ضعيفة أو متآكلة بسبب الخسائر المتراكمة، التصنيف الائتماني ''للمملكةA''. كان هناك الكثير من المساهمات المتعثرة وسوق العقار ضعيفة، ومشكلة الإسكان تتفاقم بلا حل، ومشكلات صحية وبيئة مختلفة. باختصار كان الوضع الاقتصادي يسير في مسار مقلق جدا. جاء خادم الحرمين الشريفين إلى الحكم كأب موفق وقائد ملهم. عمل الكثير خلال فترة وجيزة جدا، ركز على المشكلات الكبرى وعمل على حلها كالدين العام حتى وصل إلى مستوى متدن وتقلص إلى 98.85 مليار ريال في نهاية العام المالي 2012، وحلت المملكة في المرتبة الثالثة كأقل دولة مدينة بين دول العالم. ثم العمل على إنشاء مدن اقتصادية كبرى وتشجيع الاستثمارات الأجنبية وإنشاء هيئة خاصة بذلك، جاءت وزارة العمل بالعديد من البرامج لحل مشكلة سوق العمل المتفاقمة، ومن ذلك برنامج نطاقات التي تؤكد وزارة العمل أنه أسهم في توظيف مئات الآلاف من أبناء المملكة، كما عملت الحكومة على حل مشكلة العمالة المخالفة لنظام الإقامة ومن خلال إشراك وزارة الداخلية في المراقبة وتنفيذ الحجز والترحيل لمن وجد يعمل في غير ما قدم إلى المملكة من أجله، وهذا ساعد على ترحيل وتصحيح أوضاع أكثر من أربعة ملايين عامل أجنبي مخالف، بل فتح مجالات واسعة من الفرص الوظيفية والاستثمارية لشباب المملكة. قامت وزارة العمل بالكثير من أجل تمكين الفتاة السعودية من العمل في المجالات التي تخصها ومنع الرجال من العمل في تلك الأعمال، خاصة العمالة الأجنبية. عملت وزارة التجارة من جانبها على حل مشكلة المساهمات العقارية، وقامت بتصفية العديد منها فعليا، كما قامت بتشجيع الصناعات الثقيلة كصناعة السيارات وتوطينها في المملكة. عملت وزارة الإسكان من جانبها على حل مشكلة المساكن ورفع سقف القروض الممنوحة للمواطن وإشراك البنوك في ذلك، كما عملت وزارة المالية من جانبها ومن خلال صناديقها المختلفة على دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حتى يجد الشباب فرصا لبناء مستقبلهم. واختصارا فقد شهدت المملكة نقلة حضارية واقتصادية هائلة خلال فترة وجيزة من حكم خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، مع سعيه الدائم إلى تطوير العمل ومتابعة الإصلاحات والتحسين المستمر ويمكن القول بالكثير من الثقة أن الوضع الاقتصادي في المملكة وعمل مؤسساتها مطمئن إلى حد بعيد جدا، وهذا انعكس على التصنيفات الدولية التي رفعت المملكة إلى AA، وهو تصنيف مرتفع للغاية لدولة مثل المملكة وفي منطقة مثل التي نعيش فيها اليوم. لكن المتأمل في عمل الوزارات والهيئات الحكومية بتنوعها يجد أن أفضل وصف له كما قال الممثل المصري سعيد صالح في مسرحية ''العيال كبرت'' وهو يصف السيارة بعد تعرضها لحادث: (كل حاجة سليمة بس لوحدها)، وهذا الشيء الوحيد الذي بقي مقلقا حتى الآن، فمن الواضح أن الرؤى والتنسيق بين الوزارات في أعمالها ليس كما ينبغي لدولة تسعى للوصول إلى مستوى الاقتصادات الصناعية وتجاوز مرحلة الاقتصادات الصاعدة، فضلا عن الناشئة. فإذا نظرت إلى القروض بشتى أشكالها تجد زخما في ذلك، بينما تجد الفضاء الصناعي أمام الشباب لا يزال غامضا، ولا يعرف المواطن أين التوجهات الصناعية التي يجب أن يستثمر فيها وستدعمه الدولة بشراء منتجاته، لا توجد خطة صناعية شاملة، إذا كنا نريد صناعة السيارات فلا بد أن نعلن عن خطة وطنية شاملة تتعاون فيها أذرع الدولة جميعها حتى وزارتا الداخلية والدفاع من خلال توجيه الشباب نحو هذه الصناعة، سواء في جانب الدراسة والتدريب أو العمل والوظائف أو القروض للمنشآت الصغيرة والمتوسطة أو حتى على مستوى جلب الاستثمارات الأجنبية. فصناعة كالسيارات تحتاج إلى بنية تحتية ضخمة والمملكة قادرة اليوم على ذلك، نحتاج فقط إلى التنسيق بين أعمال جميع القطاعات. وفي الوقت الذي تضغط فيه وزارة العمل على إخراج العمالة الأجنبية فإن عملية تصحيح وضع المؤسسات السعودية تسير في اتجاه معاكس فلم تظهر أي بوادر لتخفيف شروط تصحيح الأوضاع لمن لديه مشكلات مع الجهات الحكومية كالزكاة والدخل، ولم تظهر بوادر لمنح الشباب قروضا من أجل شراء حصص الأجانب في المحال التي تركوها خلفهم مع موجة تصحيح الأوضاع. بينما يتم تشجيع الشباب على بناء مؤسساتهم الخاصة، فقد فشل العديد منهم لأسباب متنوعة ليس أقلها عدم وجود مبادرات لمنح الشباب السعودي أولوية في المناقصات والمنافسات الحكومية، أو في المقاولات من الباطن، وفي الوقت الذي تعمل فيه هيئة سوق المال على تعميق السوق حتى تجاوزت 150 شركة، فإن مساهمة الوزارات الأخرى في ترتيب أوضاع الشركات قبل طرحها لم تزل دون المطلوب منها، وتقف الغرف التجارية بلا حراك أمام مشكلة انهيار وتصدع الشركات العائلية، ولم تقم بأية مبادرات جدية لتحويل هذه الشركات إلى مساهمة. نعم الوضع الاقتصادي مستقر واستطاعت الدولة -حفظها الله- حل معظم المشكلات الساخنة، هذا جيد، بل إنجاز ضخم في وقت قصير، لكن لم نصل بعد إلى رسم طريق واضحة للمسار الاقتصادي تتكامل فيه أعمال الوزارات والتعليم العالي والمهني والقطاع الخاص وقطاع التمويل وسوق المال. لدينا فرصة تاريخية واستقرار سياسي واقتصادي، وهو بفضل الله ومنّه سيساعدنا من أجل تحقيق ذلك.
إنشرها