Author

«مان ديفاين» والهزيمة النفسية

|
بعد الأحداث الأخيرة، بادر أحد القياديين بفكرة جديدة يخدم بها الشباب والمجتمع. كانت عبارة عن مشروع مبتكر نافع له معدل انتشار عال. طرحها على مجموعة من المستثمرين والرواد الاجتماعيين للنظر في شريك حكومي وخاص وآلية تٌنفذ بها الفكرة. كان أحد الردود: ''لا، هذه الفكرة تحتاج إلى أمور عدة، منها التزام قانوني قوي ومراقبة إجرائية دورية وبُنية تحتية متماسكة ومرنة، وهناك القضايا الأخيرة والمشاكل التي يتورط فيها الجميع، سننظر في هذه الفكرة النيرة في المستقبل - بإذن الله''! هذا ما يحدث بعد الأحداث السلبية التي تنتشر تداعياتها مدعمة بالحقائق وشهادات المتضررين. لا يخفى على الجميع أهمية الدور الذي يجب أن تقوم به المنشآت الصغيرة وريادة الأعمال في المرحلة الاقتصادية القادمة. التحديات تتعاظم، وعواصف كالبطالة وتفاوت الدخل واستهلاك الثروات والطاقة تُصفّر لنا بصفة مستمرة. العدالة الاجتماعية وفاعلية الأدوات والأنشطة المنتجة اقتصادياً من الشروط الأساسية لمواجهة هذه التحديات. جزء كبير من اللعبة نفسي تحفيزي، منه بث روح التفاؤل والتحدي وتعزيز الثقة، ومنه كذلك إخراج الخَجول والمتردد للساحة وتحفيزه للمشاركة الفاعلة، سواء كمستفيد أو داعم. اهتزاز ثقة الشاب من خطأ واحد يعني فقدان كل الجهود التي بُذلت في سبيل تعزيز هذه الثقة. ماذا حصل في قصة ''مان ديفاين'' التي نالت تداولاً إعلاميا معتبراً حتى الآن؟! اتفاقية فاشلة تضررت منها أطراف عديدة. فكرة جميلة والتنفيذ سيئ، وعود لم تتحقق. ومقلب شربه الشباب، وهم العنصر الأهم والأكثر حساسية في هذه المرحلة. بغض النظر عن الأسباب التي قد يتحملها طرف محدد أو أطراف متعددة، هناك العديد من الآثار الكبيرة لقضايا كهذه. وهذا ما يجب أن يكون في اعتبار من يقوم على التحقيق في هذه القضية. إذا افترضنا جدلاً أن القضاء المختص نظر في هذه القضية واقتص لحق المظلوم فيها في الوقت المناسب، فهل تنتهي القصة هنا؟ بكل تأكيد لا، الآثار والجروح العميقة ستبقى في نفوس المتضررين المباشرين وفي ثقة المجتمع كذلك. أول هذه الآثار عدم الثقة بالوعود والبرامج المعلنة التي تصاحبها بيانات صحافية رنانة. وهذا يعني أن أي برنامج نبيل ومهم سيفقد جزءا من أهميته لأن حضوره الإعلامي سيكون مشوها أو غير مؤثر، عطفاً على ما شاهده الجميع من مستوى مصداقية برامج المسؤولية الاجتماعية. ثانياً، سيكون هناك تردد كبير على إطلاق مبادرات مبتكرة – أو جديدة على المجتمع - خصوصا تلك التي تحتاج إلى دعم قانوني والتزام أخلاقي معتبر. سيتكرر السؤال: من يضمن حصول هذا الشيء كما تصفه أوراقك واتفاقياتك؟! ستشكل كذلك العقبة النفسية الجديدة للشاب أحجاراً كثيرة، تعود كلما أزاحها عن طريقه لأن المتظلمين اضطروا إلى الحضور الإعلامي لأخذ حقوقهم، وهذا ما سيتذكره المجتمع جيدا، سلبياً – مع الأسف. وبكل تأكيد، سيصبح تركيز ريادي الأعمال وملاك المنشآت الصغيرة على معالجة التحديات القانونية والتنظيمية أكثرمن تحديات السوق والمنتج والعمل الإبداعي داخل منشآتهم اليافعة. وهذه استجابة متوقعة للهاجس الجديد الذي يتطور سلبياً، وهي تمثل فقدانا للتوازن وهدرا في توزيع طاقة الشاب والمجتمع. على الرغم من أن الترويج الذي يحصل أخيرا - وغير المنظم - لريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة، يتأثر سلباً بالمستنفعين والمستغلين للحضور الإعلامي، إلا أنه يحظى بنجاح مقبول ويعد فاعلا ومؤثرا. هدفت الكثير من الفعاليات والمناسبات المنظمة إلى تصحيح وترويج المفاهيم الجديدة ولفت الانتباه وعرض النماذج الناجحة وتحفيز وتشجيع مختلف فئات المجتمع. تعتمد هذه الجهود على المحور النفسي والثقافي وتكمل الأدوار المادية التي تقوم بها جهات الدعم الأخرى. لكنها – مع الأسف - تتضرر كثيرا من قضية كقضية ''مان ديفاين''. ليس من المنطق أن تقول للشاب: ''ابدأ عملك الحر، كن ريادي أعمال، أو امتلك منشأة صغيرة''، ثم يسمع من يقول له مدعماً نصيحته بالحقائق: ''انتبه من بعض البرامج، لا تتورط، قد تدخل السجن''! تمثل هذه القضية تجسيدا لرأس الجبل الجليدي، في حين تتكون الكتلة العظمى من القضايا العديدة التي لم تحظ بتسليط الضوء بعد، وإن كانت نتائجها واضحة للعيان. تطبيقات الامتياز التجاري مثلا، تعتبر في حالة شلل على المستوى المحلي، على الرغم من أنها من أهم وسائل تمرير التجارب والفرص المنظمة لشباب الأعمال. تضبط عقود الامتياز المخاطر وبعض الأنواع المحددة من العلاقات التجارية ويتم عن طريقها الاستثمار في نماذج اقتصادية ناجحة ومجربة. تشكل هذه النماذج أهم وحدات تكرير وإنتاج ونشر القيمة الاقتصادية بالتوافق والتكامل مع تطبيقات الإبداع والابتكار، وهي تتطلب قدرات تنظيمية محلية على قدر عال من الشفافية والمتابعة، إضافة إلى بيئة قانونية فاعلة. لكن، شكلت هذه القضية الأخيرة ضربة قاضية لهذه النماذج في عزّ بدايتها المنتظرة، وكشفت عري العديد من الجهات بخصوص قدراتها على التعامل مع تطبيق هادف بهذا المستوى. أتساءل: كيف سيكون التأثير يا ترى في تشريعات الامتياز المنتظرة، التي لم تر النور بعد؟! في كل الأحوال، لن تشكل هذه الهزيمة النفسية النهاية، فالشاب لا يكف عن خوض التحديات وقدرته على التعلم وتجاوز العوائق عالية جداً، وهذا ما سيحدث بلا شك. لكنها ستشكل عقبة كبيرة تهدر جهود العديد من الأطراف، سواء في محاولة حلها وإزاحتها عن الطريق، أو في محاولة التقليل من آثارها وتجاوز نتائجها المتنوعة. ينتظر الجميع المساندة القانونية والميدانية الفاعلة لهذه العقود التي يجب أن توافق بقية الجهود ولا تثبطها. يظل الأمل في تحول هذا النوع من الفشل إلى فوائد وخبرات يستفيد منها الكثيرون، كما تضرر منها الكثيرون.
إنشرها