Author

الشيخ تميم من خطابه كرس المرحلة الجديدة

|
* أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم: 480 *** * حافز الجمعة: المفصليات تشد الباب الكبير وتتيح له الحركة المتجاوبة، كل مفصلية تبتعد عن الأخرى، ولكن أيضا يربط علاقاتها وتواصلها الباب الكبير. وهذه حال الأمة مع مراحلها المختلفة! *** * بداية أم متابعة في قطر: قرر الأبُ تحويل الحكم لابنه إما لمرضه، وإما لأنه رأي وقتا جديدا يقبل على المنطقة، وربما العالم، فقرر أن يسلم قطر لعقل جديد يثق به يناسب المرحلة ويفهمها ويستغلها لمصلحة قطر. إن الرجم في أي تفسير آخر لن يفيد، خصوصا تلك التخرصات التي تدور بلا توثيق ولا دليل.. فلنقف عند الظاهرة الجميلة ونرتشف من جمالها، لا أن نبحث عن خفايا ظلال قد توجد وقد لا توجد، وحتى إن وجد شيء منها فلا يغير المنظر الجميل.. لك أن تتأمل بشغف بالزهرة الجميلة، ولك أن تركز على الشوك في غصن الزهرة الجميلة.. ولكن ستبقى الزهرة جميلة حتما في كلتا الحالتين. إن الشيخ تميم في شرخ شبابه وحماسته، ولم نكن ــ أو أنا على التحديد ــ أعرف تميماً جيدا، إلا كولي عهد يضطلع بأمور يكلها له أبوه الحاكم. وفي رأيي، كان الاختبار الأول هو الخطاب. المثل الإنجليزي يقول: ''الانطباع الأول هو الانطباع الدائم''. حرصت على أن أتابع مباشرة خطاب الشيخ تميم، ووجدت أنه ثابت برزانة من اعتاد تسنم الخطابات الكبرى، بلغة سليمة، وبشخصية راجحة، وبمنطق ونطق مقنعيْن، وكان يشعّ ثقةً وهو يلقى خطابه مواجهاً الكاميرا بثبات وكأنه ينظر لمتابعيه بعيونهم. هذا التحديق المباشر المستمر هو الذي يدل على استلهام مرحلة جديدة، بينما باقي الحكام يقرأون من ورقة بالطريقة التي اعتدناها منذ خُلقنا، نجدُ أن الحاكمَ الجديدَ الشاب، فيما يتضح، أنه يقرأ من شاشة أمامه.. أي أنها قراءة تقنية، قراءة الخطاب العصري الجديد، وهي طريقةٌ تخلق التواصلَ المباشر مع المتلقّي، وتجعله مرتبطاً بالخطاب حتى حرفه الأخير. واضح أن الشيخَ تميم سينتهج مفصلا جديداً لقطر يحلق بها لمدى أبعد، ولكنه ليس التغيير الانقلابي بل المفصلي، أنه المفصل الذي قلنا عنه إنه يمسك بابَ الأمّة، البابُ ثابتٌ والمفاصلُ تتبدل وتتغير. *** * صراع المنطقة: صار انقلابٌ في المشهد بالصراع في سورية ولبنان، كنا نتابع تحرك الجيش الحر وانتصاراته وتحكمه بمناطق تحرير رغم تفوق سلاح النظام، وكان الجميع يقولون إن بشار ساقط قريبا لا محالة. لكن بدأت مشاهدَ جديدة، فإذا مسرح الصراع يتفوق فيه جيش النظام مع تدخل حزب الله السافر في سورية. وترى أن جيشين بإعداد الجيوش المترسة والجندية المحترفة تواجه وبعتاد أكبر جماعات عادية من الناس لا تملك حتى جزءا من العتاد في الجبهة المقابلة، ولا تتقن استراتيجياً اللوجستيات العسكرية في الحرب الواسعة، فهي تنتقل من مكان لمكان ولا تستطيع أن تحتوي الشمال والجنوب والأطراف معا، وهذا يحتاج إلى دراسة وخبرة وتأهيلا وإمدادا متواصلا لا يقف. ثم جاء دور لبنان ووصلت سطوة الحزب إلى عقر معاقل السنة التقليدية اللبنانية في مواجهة معروف مصيرها سلفا. السببُ أن معسكرَ النظام السوري وحلفاءه موقفهم حاسم لا تردد فيه، واضح بخط مستقيم من البداية وعازمون على المضي فيه للنهاية، من روسيا إلى إيران إلى حزب الله، ولم ولن يأبهوا بأي أمر آخر.. إلا النصرَ على الثوار، وسحقهم حتى لا يقومون مرة ثانية. ويبقى الثوارُ موزعين ضعيفين يأكلهم الإرهاقُ والفقرُ وضعف الإمداد وقذفهم في حرب حقيقية بلا سند ولا جبهات إمداد حقيقية.. السبب، تراخٍ شديد جدا وعبث سياسي من الأطراف التي تقف على كل منصة لتقول إنها تدعم الثوار في قضيتهم. من يحسم ينتصر مهما كان.. ومن يتراخى ينهزم مهما كان. *** * بصراحة: سبب فشل الثورات دائما هو أن الثوار يطمحون لليوتوبيا، للفضائل الصافية المجردة وهنا يصير الانفجار الأسوأ بسبب الدوافع الأفضل، فتلك اليوتوبيات محالٌ الوصول إليها، محال حتى تعريفها جبريا ورياضيا ومنطقيا إثباتيا، فتنفجر لافا النزاعات تحرق الطريق، ثم لما تأتي الفضائل الواقعية فيما بعد لا تجد إلا طريقا محروقا. في أول الثورة الفرنسية نعرف كيف جن ''روبسبيير'' الفضائلي المتدين الخجول ليتحول لقصّاب الثورة الفرنسية، بإطاحة آلاف الرؤوس بالمقصلة حتى الرفقاء. وظهر أول انتقاد لنفسية الثورات في كتاب ''عواقب الثورة الفرنسية Reflections on the revolution in France'' لأكبر مفكري الثورات في القرن الثامن عشر ''إدمون بورك''، وتتبع هذه الظاهرة بالثورة الفرنسية. إن الثوار الحالمين يجب أن يحلموا على الأرض، وليس ورؤوسهم فوق السحاب، وإلا فإن الحب للفضائل سيضل الطريق ويصل للكره الإنساني.
إنشرها