Author

لا مبرر للتفريق بين الحكومة والشركات في الدوام

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
ساعات دوام الحكومة معروفة. واحتياجات الناس إلى خدمات الدوائر الحكومية مسألة لا تتطلب نقاشا. الذي يهم هنا هو انخفاض ساعات الدوام الحكومي، والفعلي منه خاصة (وبصفة عامة) مقارنة بساعات عمل القطاع الخاص أو حكومات الدول الأكثر تطورا اقتصاديا منا. وهذا الانخفاض ضار بمصالح الناس. يمكننا أن نلجأ إلى ضرب المثال لتوضيح هذا الضرر. ألا ترون تضرر مصالح الناس لو كانت ساعات دوام البنوك مثل ساعات دوام الحكومة؟ من العجائب والغرائب عندنا وجود الفروقات الكبيرة في الدوام بين القطاعين الخاص والحكومي، سواء في طول الدوام اليومي، أو في عدد أيام الدوام. هذه الفروقات تعكس تباينا حادا لا تجده في الدول التي ننشد اللحاق بها في تقدمها الاقتصادي. نقول إننا نطمح إلى السعودة، وإلى بناء اقتصاد متقدم، ونرغب في النجاح، ولكننا لا نرغب في التضحية والتعب المطلوب لتحقيق هذه الأهداف. يقول بعض موظفي الحكومة إنه لا حاجة لزيادة ساعات الدوام، لأن العبرة بالكيف وليس الكم. هل يوافق الآخرون على منطق هؤلاء؟ من البعيد جدا أن يوافقوا، بل هم يرون جمعا بين مشكلتين: تدني الكم وتدني الكيف. والمطلوب أن نحد من ضرر كلتا المشكلتين. منطق بعض المدافعين عن الدوام الحالي، يطرح أسئلة: لماذا لا يطبق المنطق نفسه على القطاع الخاص، وخاصة مع مشكلات السعودة؟ إذا كانت هناك قناعة بأن دوام الحكومة من حيث الساعات وأيام الإجازات مناسب، لا يترتب عليه إضرار بالاقتصاد وبمصالح الناس، فلماذا لا يغير دوام القطاع الخاص ليصبح مثل الحكومة؟ هل عدد ساعات وأيام عمل الحكومة أقل أهمية من عدد ساعات وأيام عمل القطاع الخاص؟ هل حدد دوام القطاع الخاص بهدف الأذية لموظفيه؟ لا عاقل يقول بذلك. ولكن يفرض على غالبية الناس قبول الواقع المر في الدوام الحكومي، الذي تعطل أو تأخر بسببه كثير من مصالحهم. وتعطيل وتأخير أعمال الناس ترتبت عليه أضرار كبيرة في الاقتصاد. هذا (بلا شك) لا يعني إنكار وجود أسباب أخرى لتعطيل المصالح، ولكن قصر الدوام من هذه الأسباب، فكم كادت معاملات أن تنجز، ولكن تأجل إنجازها بسبب قرب انتهاء الدوام، أو طول الإجازات الرسمية. نحن لسنا أفهم من الدول المتقدمة اقتصاديا التي لم تفرق في الدوام بين الحكومة والقطاع الخاص. ولذا لا أدري علام الاستمرار على دوام تترتب عليه أضرار عظيمة على مصالح الناس؟ سيعارض طبعا موظفو الحكومة أي مسعى لزيادة الدوام، وهذا متوقع، ولكن من الخطأ البين التحيز لرأيهم، أو الاعتماد شبه الكلي على مشورة من يخضعون لنظام الخدمة المدنية، بسبب تعارض المصالح تماما، مثلما أنه من الخطأ إسناد تحديد دوام القطاع الخاص للعاملين فيه. مطلوب تصحيح الدوام الحكومي ليصبح ثماني ساعات يوميا، زائدا نصف ساعة لصلاة الظهر، أي مطلوب ألا ينتهي الدوام قبل الرابعة عصرا. زيادة الدوام يجب أن تطبق بالتدريج، وينبغي إعطاء مهلة لا تقل عن سنة قبل بدء التطبيق. طبعا هناك موضوع التعويض المادي عن زيادة الدوام، وهو يستحق النقاش، ولكن بحثه ليس هذا مقامه. كما ستثار مسألة تعطيل المراجعين لفترة تحت عذر تناول الغداء (لمن يرغب). في نظري أن الأخيرة هي أهم مشكلة في التطبيق. ولكن تناول الغداء أثناء العمل منتشر في كل العالم، وعلينا أن نتعلم من الآخرين. ولا ينبغي أن ننسى أنه لا توجد صيغة دوام لا مشاكل ولا عيوب فيها، والقضية قضية اختيار ما هو أكثر مصلحة للعباد والبلاد. وبالله التوفيق.
إنشرها