Author

كيف يزيد عدد الأثرياء في الأزمات الاقتصادية؟

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
في تقرير أصدرته ''رويترز'' ونشره موقع الأسواق العربية أظهرت دراسة عن الأثرياء، أن عدد الأثرياء في العالم زاد بنسبة أكثر من 9 في المائة ليبلغ 12 مليون مليونير العام الماضي، وقد يرجع ذلك إلى نمو متزامن للأسعار في أسواق الأسهم والسندات والعقارات. وسجل حجم الثروات التي يملكها الأشخاص الأكثر ثراء في العالم زيادة ملحوظة بلغت 10 في المائة لتصل إلى 46.2 تريليون دولار مقارنة بمستواها قبل الأزمة الاقتصادية البالغ 40.7 تريليون دولار في 2007. قد يكون عامل الارتفاع والنشاط الأخير في سوق الأسهم عاملا مهما في تحقيق هذه النتائج، لكن بشكل عام زاد مجموع ثروة الأثرياء في العالم عنها في عام 2007، أي قبل الأزمة المالية، والعالم كان حينها في نشوة النمو في قطاعات مختلفة وكانت مؤشرات أسعار الأسواق في أوج ارتفاعاتها. ويؤكد لنا ذلك أمرا مهما وهو أن الأموال التي فقدتها الاقتصادات في الدول وكثير من محدودي الثروة في العالم تحول جزء منها إلى جيوب الأثرياء. قضية الثراء ليست في حد ذاتها مشكلة، بل إن الإنسان من الجيد أن يكون له ثروة يستفيد منها أبناؤه من بعده، وهو حق إنساني لم يمنع منه الإسلام رغم تعزيز جوانب التكافل الاجتماعي فيه، بل الرغبة للإنسان في تكوين ثروة هو في النهاية يصب في مصلحة المجتمع إذا ما تم بصورة مشروعة، لأنه يمكن من تنشيط سوق العمل، ويوفر السلع والخدمات في المجتمع، وفي نهاية الأمر كما ورد في الأثر نعم المال الصالح للعبد الصالح، وجاء في الحديث الآخر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تجعلهم عالة يتكففون الناس». لكن السؤال هنا: لماذا في الأزمات الاقتصادية يكون الأثر إيجابيا للأثرياء بدلا من أن يتأثروا كغيرهم من بقية الناس، وهذا المتوقع؟ بل إن المتوقع أن ثرواتهم ستنخفض كثيرا، بسبب أن الأزمة المالية الماضية نشأت من الأسواق المالية نفسها، وبالتالي كان من المتوقع أن تتبخر ثروات كثير منهم بدلا من الإثراء، وتقل أصولهم في حين أنه بحسب التقرير فإن ثرواتهم زادت على ما قبل الأزمة المالية العالمية. قد تكون هناك أسباب منطقية لذلك مثل تحول الأموال من الغرب إلى الشرق، وهو ما عززه النمو الاقتصادي للصين والهند وغيرهما من الدول في الشرق، لكن يفترض مع ذلك أن يقل حجم ثروات المليونيرية عموما عنها قبل الأزمة، إذ إن الأزمة الاقتصادية أثرت حتى في الصين والهند. يظهر أن المسألة مرتبطة بشكل كبير بالمعالجة التي تقوم بها هذه الدول، فعندما حدثت الأزمة المالية العالمية وكان على أثرها قد تأثرت بعض الدول بشكل كبير، كانت المعالجة للأزمة تصب في مصلحة الأثرياء وذلك من خلال برنامجين، الأول تقليص ما يتم تقديمه لعموم المجتمع من امتيازات، وذلك مثل تخفيض الإعانات الاجتماعية والزيادة في تكاليف الاحتياجات الأساسية مثل العلاج، إضافة إلى الزيادة في الضرائب، وهذا ما يسمى ببرامج التقشف، والآخر وضع حوافز لأصحاب الثروات للاستثمار في تلك الدول من خلال تخفيف الضرائب عليهم وتخفيض سعر الفائدة على القروض، إضافة إلى تقديم حزمة من الحوافز للاستثمار. هذه المعالجة لا شك أنها تصب في مصلحة الأثرياء، حيث إن الدول تسعى لتقديم ما يمكن لإقناعهم بأن الاستثمار فيها سيحقق لهم عوائد أكبر مما هو في مواقع أخرى في العالم، مع العلم أن الضرائب تتم زيادتها على الأفراد، لكن الخاصة بالأثرياء قد لا تتغير، بل قد تنخفض، وهذه المعالجة بلا شك تزيد من فرص الإثراء على حساب المجتمع. في النظام الاقتصادي الإسلامي تختلف المعالجة في مثل هذه الأحوال بصورة جذرية، فعند حدوث أزمة اقتصادية فإن الأثرياء يكونون جزءا من المعالجة، والتاريخ الإسلامي في الفترة الأولى منه شهد مجموعة من المتغيرات الاقتصادية في المجتمع، سواء في حالة الفقر والعوز أو حالة الاكتفاء التي يشهدها المجتمع، وفي كلتا الحالتين تتم المعالجة بصورة متوائمة تحقق أفضل الحلول للمجتمع، فعند حدوث الأزمة الاقتصادية لا تبقى المسألة فقط من مسؤولية النظام الحاكم كي يخطب ود الأثرياء لتتدفق أموالهم إلى السوق، بل الأثرياء جزء من المعالجة، ففي بداية الرسالة كان من له فضل مال -أي مال زائد على حاجته- يقدمه لأخيه المسلم، وبعد أن أصبح هناك نوع من الاكتفاء في المجتمع فرضت الزكاة على أصحاب الثروات، كما أنه في حال الأزمات يفرض على الأثرياء تحقيق الكفاية لأقاربهم المحتاجين كحق واجب وليس نافلة، إضافة إلى أن نظام الزكاة، في حد ذاته، يقوم على تحديد مبلغ الزكاة من كامل الثروة، في حين أن نظام الضرائب في كثير من دول العالم لا ينظر إلى الثروة بقدر ما ينظر إلى الدخل، وهذا ما يعزز الفجوة ويمكن من الإثراء على حساب حاجة أفراد المجتمع. الخلاصة: إن المعالجة التي يتم بها تحفيز الاقتصاد تكون سببا في زيادة إثراء البعض على حساب أفراد المجتمع، في حين أنه في الأزمات الاقتصادية يفترض أن تكون على الأثرياء مسؤولية تجاه المجتمع، بحيث إن من لديه فضل مال ينبغي أن يعود به على من لا مال له.
إنشرها