Author

جودة التعليم.. اسألوا جواهر المضاحكي

|
على مدى أكثر من عشر سنوات لا يكف مدير تعليم المنطقة الشرقية الدكتور عبد الرحمن المديرس عن الحديث عن جودة التعليم دون أن يقنعنا ولو مرة واحدة بتطبيق مبادراته الميدانية التي قام بابتكارها، لتكون نموذجا يحتذى به في مدارس المنطقة التي لا يختلف حالها عن مدارس المناطق الأخرى مما يجعل الحديث عن موضوع مثل الجودة مجرد ضرب من أنواع العبث والتنظير الذي يتقنه كثير من الأكاديميين ولا يجرؤون على الاقتراب من التطبيق الميداني الذي يتطلب عملا شاقا وجهدا غير تقليدي، وبالتالي تبقى كثير من الممارسات حبيسة الكلام السهل، والأمنيات، والوعود البراقة. وبما أن جودة التعليم هاجس كل بيت سعودي سواء كان في التعليم العام أو التعليم العالي أو التدريب المهني، وما أعلن أخيرا من قرارات بإنشاء هيئة للجودة والتقويم الأكاديمي تعنى بتحسين مخرجات التعليم، فإني أتمنى على كل المعنيين بجودة التعليم بمن فيهم مسؤولو هيئة الجودة وكل من يزعم أنه مهتم بجودة التعليم أن يستفيدوا من تجارب الآخرين، ولن أطلب منهم أن يذهبوا لأمريكا، ولا بريطانيا، ولا اليابان، ولا فنلندا، التي أنشأت أخيرا مدارس للمرحلة المتوسطة تحاكي المصانع العالمية، سأطلب منهم تحديدا أن يتوجهوا إلى"البحرين" الدولة الصغيرة التي استطاعت أن تبني نموذجا رائعا في تحسين مخرجات التعليم تحت إشراف "هيئة ضمان جودة التعليم والتدريب" بقيادة سيدة بحرينية اسمها الدكتورة جواهر المضاحكي. قادت الدكتورة المضاحكي وفريقها التنفيذي عملا جبارا قبل ست سنوات واستطاعت الوصول إلى كل مؤسسة تعليمية في البحرين لتقويم مخرجاتها، لم تترك مدرسة، ولا روضة أطفال، ولا معهدا تدريبيا، ولا كلية، أو جامعة، إلا وكانت تحت مجهر الهيئة، فهناك فريق يعمل لتقويم مستوى المناهج، وهناك فريق لتقويم أعضاء هيئة التدريس، وآخر لتقويم البيئات والتجهيزات التعليمية، وفرق أخرى لتقويم الخطط والاستراتيجيات ومقارنتها بالمخرجات، وفريق للامتحانات الوطنية، لتتوصل الهيئة الوليدة خلال فترة وجيزة من تأسيسها إلى رؤية شاملة وواضحة عن كل المؤسسات التعليمية دون تدخل من أحد، ثم قامت الهيئة بنشر نتائجها بكل وضوح وشفافية على موقعها على الإنترنت مما أثار ضجة كبيرة في البحرين. كان هناك تقرير لكل مدرسة، ومعهد، وجامعة، يتضمن نقاط الضعف، والقوة، وفرص التحسين، ووصفا دقيقا للبرامج التعليمية وطريقة الأداء وغيرها، وكتبت الهيئة بكل وضوح أن هناك برامج غير جديرة بالثقة. اعترضت جامعات ومعاهد ومدارس، واكتشف آخرون خدعة التسويق لبعض المخرجات الرديئة، وغيرها، لكن الهيئة مضت في عملها ولم تلتفت إلى أحد، وشرعت في المرحلة الثانية من العمل بشراكة مع الجهات التعليمية.. من يريد أن يعمل ويرتقي بأدائه فهذه إرشاداتنا وهذه أدواتنا للتحسين، ومن يريد أن يبقى في مكانه عليه أن يبحث عن نشاط آخر ويعيد حساباته. وحظيت الهيئة بدعم اجتماعي وثقة كبيرة من مختلف المؤسسات الوطنية. وشرعت المؤسسات التعليمية في الاستجابة على مضض لخطط الهيئة فمقاومة التغيير موجودة في كل المؤسسات، ولكن معظم المؤسسات كانت حريصة على الارتقاء بأدائها لتصبح ضمن المؤسسات المهتمة بجودة التعليم التي تنشرها الهيئة كل سنة كمرجع رئيس لكل بيت بحريني وما زالت الهيئة تواصل عملها بصمت واحترام تحسد عليه. في مؤتمر جودة التعليم الذي عقدته وزارة التعليم العالي أواخر نيسان (أبريل) الماضي في الدمام كانت الدكتورة المضاحكي واحدة من أهم المتحدثين. لخصت تجربتها أمام حشد من الأكاديميين والأكاديميات في تنفيذ تجربة ناجحة في بيئة مشابهة لنا، بالحرص على العمل باستقلالية، وشفافية، وشراكة مع الجهات التعليمية وفق معايير عالمية متبعة في ضمان جودة التعليم. كثيرون يحلمون بتطبيق مفاهيم الجودة في تعليمنا لكنهم غرقوا في التنظير بعيدا عن العمل المؤسسي الجاد، ولذا سيبقى كثير من المخرجات الرديئة والممارسات المغلوطة سائدا في المؤسسات التعليمية، واسألوا جواهر المضاحكي!
إنشرها