Author

الأولاد الذين أنقذوا أستراليا

|
.. العام 1942. اليابان واحدة من دول المحور المتحالفة مع هتلر الألماني الآري، وموسيليني الروماني. وكانت أيضاً للإمبراطورية اليابانية أحلامها في التوسع. ونجحت اليابان في سنين قليلة أن تكون أكبر الإمبراطوريات اتساعاً، حتى إن فتوحات هتلر وتوسعاته في أوروبا تستكين كلها في ركن صغير من التوسع الإمبراطوري الياباني. في ذلك الوقت كان علم "نيبون، أمّة الشمس" يرفرف على كامل المنطقة من سنغافورة في الجنوب الغربي، إلى ماليزيا وإندونيسيا وبورما والفلبين وكمبوديا ومنشوريا والصين العظيمة، وكان أسوأ توسع واستعمار عرفه القرن العشرون. فاليابانيون كانوا وحوشاً على شكل بشر، لا يعرفون الرحمة أبداً، ويحتقرون بقية البشر احتقاراً مهيناً علنياً. وكان الأسطول البحري الياباني فخر البحار، منذ تفوقه في أول معركة بحرية له في أول القرن العشرين مع الإمبراطورية القيصرية الروسية وأذاقت اليابان روسيا الهزيمة مُرةً على أطراف سيبيريا الجنوبية الشرقية، حتى هذا الوقت الذي نتحدث عنه في أثناء الحرب الكونية الثانية، فكانت القوة البحرية لتوها قد خسفت بالقوات الأمريكية المرابطة بالباسفيك، و"مرغت" كرامة الجنرال الأسد كما يسمى "دوجلاس ماك آرثر" في الفلبين، حيث أبدى اليابانيون تفوقاً كاسحاً قضى على كل الحاميات والمتاريس الأمريكية في درع أمريكا الأول في الهادي بحراً وجواً؛ جزر الفلبين. وكانت الأحداث تشير إلى انتصارٍ ياباني مظفر في الحرب الثانية في جبهة آسيا ومسرح عمليات المحيط الهادي. وكان معظم جنود البحرية اليابانيين شباباً صغاراً مما يسمّى جيش الاحتياط الإمبراطوري، أي كتائب مدرّبة من الشباب خارج الجيش الرسمي، أعطت الغطاء الحامي لكامل الهيكل العسكري لليابان. قرر اليابانيون أنه لم يبق لهم إلا أستراليا، وبالذات عبر طريق الجزيرة الاستراتيجية "نيو غينيا" في بحر الكورال، وذلك ليقطعوا الإمدادات العسكرية للجيش الأمريكي في أستراليا وبقية الهادي، ولأنها ستكون المنطلق المحيطي للبحرية اليابانية نحو جزر الشمال ذات السمة الأمريكية مثل فيجي والساموا، بل كان هدفهم الكبير الاستيلاء على تاهيتي وهاواي، والأخيرة ولاية أمريكية. ووصلوا فعلاً عبر أقسى الممرات البحرية إلى الطرف الجنوبي المتوسط لجزيرة نيو غينيا قاصدين ميناءها الجنوبي الذي سيكون ميناء لأسطولهم بحكم عمقه وموقعه. لم يفعل ماك آرثر شيئاً، فقد كان مهلهلاً بعد تدمير اليابانيين أسطوله في الفلبين، ولم يكتف بذلك بل حذّر الأستراليين في نيوغينيا من المقاومة، حتى لا تبيدهم الوحشية اليابانية. كان في الجزيرة مئات من الشباب الأسترالي المدرب في معسكرات بسيطة، ولا يمكن أن تكتمل لهم صفة الجيش المحترف، أو المحاربين المحترفين، كانوا أولاداً صغاراً من الرابعة عشرة إلى التاسعة عشرة من أعمارهم. لم تستمع فرقة الأولاد لتحذير القائد الأمريكي، الذي لما رأى عزمهم للوقوف ضد البحرية اليابانية الماردة طلب منهم ألا يقوموا بحركة للمقاومة دون إذنه. إلا أن الأولاد أيضا لم يستمعوا له، ووقفوا بعراكٍ أسطوري ضد الغزاة، وكُتِب لهم دحر إمبراطورية الشمس في منطقة تسمى "كوكودا ــ تريل" وطردها من شواطئ الجزيرة، فأنقذوا كامل قارتهم أستراليا.. بل أنقذوا الولايات المتحدة بعظمة قدرها.. مجرد أولاد! ما زالت أستراليا تحتفل في كل عام بتاريخ 20 آب (أغسطس) بيوم "كوكودا ـــ تريل". إن الحاجة إلى قوى رديفة واحتياطية لأي جيش رسمي، صارت ضرورة حتمية، بل لا تستطيع الجيوش الرسمية الانتصار بلا قوافل الاحتياط المدربة ولو تدريباً تأسيسياً. ثم إن من الأمور المهمة في الحروب ألا يبقى الوطنُ فارغاً بلا حماية بالداخل في أثناء معمعة الحروب، فيتولى الحراسة والدفاع من الداخل الفرق المدربة مثل أولاد أستراليا. والعبرة مما كتبتُ أعلاه.. ألا يجب علينا أن نفكر استراتيجياً في إقامة معسكرات منظمة لتدريب الشباب ليكونوا قوة احتياطية مؤثرة؟ خصوصاً في دولة عدد أفراد الجيش بها يعتبر قليلاً، مثل أستراليا، ومثل الدولة المغتصبة لفلسطين. وفي الطريق، ستُحَل مشاكل كأداء يعانيها شبابُنا اليوم من البطالة والفراغ، ومناطق صرف للطاقة قد تنقلب على أمننا. ما الذي يجعلنا لا نفعل، ولم نفعل حتى الآن؟ لا أرى سبباً مقنعاً مقارنة بفوائد فرق الاحتياط.. خصوصاً أن المنطقة تلتهب، وقد تصيبنا شراراتُ نار!
إنشرها