Author

لكي يصبح التحليق أجمل

|
طموح وحماس وحركة غير عادية تشهدها المملكة بشبابها في عالم الأعمال الناشئة. ويرافق ذلك دعم مالي ضخم وبرامج متسارعة لجهات داعمة تتوالد كل يوم، وفعاليات ومناسبات لا تنقطع. هذا كله أقرب لدوائر الإيجابية، فالتنمية تنضج عندما تصل للشباب والاستدامة تحصل عندما يتفاعل النمو مع الابتكار. عندها تحلق الأفكار والإبداعات وتتحول إلى أعمال مؤسسية رائعة، وتتوسع الآفاق والفرص ليستفيد المجتمع، وأجيال عدة من بعد ذلك. ولكن، أن نكون قريبين لا يعني أننا سنصل، بل قد يصفق لنا كل من حولنا ولكننا والمصفقون نسير في الطريق الخاطئ. حينها، نبتعد من حيث لا نعلم، وسنفاجأ متأخراً بعد ذبول الفرصة وحصول الورطة. قد لا يرى الشاب إلا الآفاق، ولكنه في الواقع- يُحشر من حيث لا يعلم ـــ بين وحوش مرعبة في زوايا ضيقة، هي خيارات قليلة وصعبة. قد تتضح الصورة إذا أخذنا قضيتين من القضايا المتعددة كمثال لهذا الوضع. أول ما يصطدم به الشاب عند محاولة الحصول على التمويل، هو نقص المعلومات. الحصول على التمويل يستوجب دراسة وتقدير الفرصة التجارية، وهذا التقدير يجب أن يبنى على معلومات ملائمة وذات جودة معتبرة. وعلى الرغم من أن جهات الدعم تقوم بالكثير إلا أنها لم تنشئ أي مركز كفؤ لتوفير المعلومات والبيانات اللازمة لمشاريع الشباب. الشعور بالعجز المعلوماتي والبطء في الوصول إلى تقدير جيد بل والاضطرار إلى تقديم تقارير شكلية يهدد الحماس والثقة ويجعل منصة الانطلاق أضعف من قبل حتى أن تبدأ رحلة المشروع. من القضايا الأخرى المهمة والحيوية جداً: أنظمة الدفع. والمشكلة ليست في غياب البنية التحتية وإنما في تفعيلها على الوجه المطلوب. برنامج ''سداد'' مثلاً، الذي أثبت نجاحه، لا يزال في معزل عن خدمة المنشآت الصغيرة ورواد الأعمال. كل ما يتطلبه الأمر هو توجيهه وتطبيقه بطريقة مخصصة لهذه المجالات، بباقات اشتراك ملائمة وحملات تسويقية له تندرج تحت الدعم العام للمنشآت الصغيرة. صعوبة حصول التاجر على حقوقه وتحصيل عوائده يعني تكلفة إضافية بالريالات والمشاعر، خسارة وقلق. إن ما يحدث حالياً يعاكس فكرة الدعم. كيف يصبح الشاب في هذه الموضع السلبي وهو من كان أقرب إلى تلك الصورة الرائعة الإيجابية؟ الحقيقة من يتأثر هنا ليس الشاب فقط، وإنما المجتمع بكامله بلا استثناء. هذا الشاب، ومشروعه، ومستهلكي منتجاته، وأصدقاؤه، ومشاريع أصدقائه، وكل من حولهم يتأثر. أنيط بهؤلاء مهام اقتصادية محورية كصنع الوظائف وتوزيع مصادر الدخل، وكفاية أنفسهم مالياً. ولكن هل هذا يحدث؟ وعلى نطاق واسع؟! ترتبط الجوانب السلبية بعناصر البيئة الاقتصادية، وخصوصاً بيئتي المشاريع الصغيرة وريادة الأعمال. تمتد هذه العناصر من البنية التحتية وحتى الإجراءات القضائية والسياسات والتنظيمات. ومن ذلك تفعيل آليات نقل المعرفة ومسرعات الوعي العام وانتشار المواد التحفيزية للعمل الحر من مراحل التعليم المبكرة وحتى الجامعات. نحن نفتقد لحلول الدفع النقدي الفاعلة والقابلة للانتشار، وتذليل الصعوبات ومعالجة العوائق اليومية ـــ كالبيروقراطية. العمالة مثلا تظهر إما كمنافس غير عادل للشاب، أو كمورد نادر يصعب الحصول عليه، وهذا يتسبب في ابتعاد الشاب عن مشاريع التأهيل والصيانة مثلا لمصلحة المشاريع التقنية. ولضعف الرقابة والمهنية، يظهر المتنفعون الذين يحولون ''المسؤولية الاجتماعية'' من خدمة من يستحق إلى شعارات في المعارض والفعاليات. الحديث هنا لا ينتهي ويصل حتى للتعاطي مع الجوانب الثقافية، سواء بالتأثير فيها ــــ كتشجيع الخروج للعمل الحر ــــ أو الاستثمار فيها ــــ كتحويل ''الفزعة'' إلى نظم ونماذج للمساعدة والإرشاد. تركيبة سكانية تنمو بتعجل وأموال تتدفق ومجتمع شاب متحمس، لا يوجد أفضل من هذه العناصر لصنع مستقبل الأسواق والفرص. وإذا فتحت للشباب الآفاق يتحول المستقبل إلى نجاح مستدام وعطاء زاهر. أما إذا اجتمعت هذه العناصر مع غياب الاستراتيجيات وتداخل الأنظمة وعشوائية التمويل والدعم، سيضيق حينها كل أفق ويظهر الوحوش والمستغلون، ولن تبقى للشباب إلا الزوايا. هناك الكثير من ملامح التشويه التي تحصل لفرص شباب الأعمال في الوقت نفسه الذي يراهن فيه الآخرون عليها. هذه الملامح أصعب من أن تُحصر، فهي تتوزع بين غياب ثلاثي على مستوى الاستراتيجية والتنظيم والتنفيذ. كل مشروع وطني استراتيجي له جهة مسؤولة عنه وأشخاص اعتباريون أو حقيقيون يقومون بالتنسيق لتنفيذه ومتابعته. من المسؤول عن مشاريع شباب الأعمال؟ إذا كانت مهمة مشتركة بين عدة جهات، من هو جوكر ''التنسيق'' الأول؟ من يحاسب ويتابع بقية الجهات، ولمن يلجأ الشاب ومن ينتقد، إذا اضطر؟. هذا التواجد القيادي هو ما يصنع هذه التحسينات المطلوبة. على سبيل المثال، من المهم وجود مركز موحد للمعلومات يخدم شباب الأعمال ويقوم بتجميع البيانات الديموغرافية والتجارية والاستهلاكية من مختلف الجهات مباشرة، ثم يقوم بنشرها بطريقة دورية منتظمة بصيغ متعددة قابلة للاستخدام. وبما أن فاعلية أنظمة المدفوعات تكمن في الانتشار والتكلفة المناسبة والثقة، فنحن بحاجة إلى برامج مستقلة لتأهيل منافذ الدفع الموجودة حيث تضفي عليها علامة أو شهادة بالمصداقية، ويتبع ذلك حملات لترويج هذه البرامج بين المستهلكين.
إنشرها