Author

الصندوق السيادي .. هل يرى النور؟ (2 من 2)

|
المقال السابق تطرق إلى أهمية التفرقة بين الاحتياطيات الأجنبية لدى ''ساما'' التي تهدف إلى المحافظة على استقرار العملة المحلية وتلبية احتياجات ميزان المدفوعات والأوعية الاستثمارية التي تستثمر جزءا من فوائض النفط للأجيال القادمة. إذن، ما دور ''ساما'' عندما تقوم بمهامها كبنك مركزي في إدارة الاحتياطيات الأجنبية، ودورها في إدارة الفوائض النفطية؟ وهل ''ساما'' فعلاً صندوق سيادي؟ هناك تعاريف متعددة للصناديق السيادية بين المختصين في إدارة الأصول السيادية، لكن التعريف الدولي المتفق عليه بين الأعضاء الذين تبنوا مبادئ سانتياجو لصناديق الثروة السيادية، هو أن الصندوق يجب أن تعود ملكيته إلى الحكومة العامة، ويستثمر في الأصول المالية الأجنبية، وأخيراً يهدف إلى تحقيق أهداف مالية على المديين المتوسط والطويل. ''ساما'' كانت أحد المراقبين الدائمين عند صياغة وتبني هذه المبادئ في عام ٢٠٠٨/٢٠٠٩، التي تهدف إلى: 1 - تبني إدارة شفافة ونظم حوكمة مقننة تضمن إدارة أي مخاطر محتملة والمساءلة. 2 - الاستثمار على أسس اقتصادية ومالية بحتة. 3 - مراعاة جميع الأنظمة ومتطلبات الإفصاح في الدول المتلقية للاستثمار. 4 - ضمان حرية تدفق الأموال للحفاظ على الاستقرار المالي العالمي. إن مشاركة ''ساما'' في مجموعة العمل الدولية للصناديق السيادية، وكذلك مشاركتها في بعض المنتديات الدولية المتخصصة، مثل مبادرة أبحاث الصناديق السياديةsovereign wealth fund research initiative، دعت عديدا من المعاهد ومراكز الأبحاث الدولية إلى النظر إلى ''ساما'' على أنها ليست فقط بنكا مركزيا، لكن الأخذ على عاتقها مهمة الصندوق السيادي عند إدارة الفوائض المالية. من ضمن هذه التصنيفات، معهد الصناديق السيادية الذي صنف ''ساما'' على أنها رابع أكبر صندوق سيادي في العالم. إذن من الواضح، أن ''ساما'' تقوم بمهامها كبنك مركزي، وكذلك إدارة جزء من الموجودات الأجنبية بطريقة مماثلة إلى حد ما إلى صناديق الثروة السيادية. بما أن نظام ''ساما'' الصادر في عام ١٣٧١هـ لا يتطرق إلى تعظيم العائد على الموجودات الأجنبية، وبما أن البنوك المركزية في العادة متحفظة في إدارة الاحتياطيات الأجنبية (من خلال تركيزها على السيولة ومن ثم العائد على هذه الاحتياطيات)، لذا من الملائم إسناد إدارة الفوائض النفطية إلى جهاز متخصص أو ذراع استثمارية مستقلة تحت مظلة ''ساما''، كي تتيح لـ ''ساما'' التفرغ التام لتحقيق مهامها الأساسية كبنك مركزي. هذا الاقتراح ليس خارجا عن المألوف عند النظر إلى الدول ذات الموجودات الأجنبية الضخمة، حيث نرى أن بعض الدول تنشئ جهازا أو إدارة متخصصة تحت وزارة المالية (النرويج) أو تحت البنك المركزي (الصين وكذلك ترينيداد وتوباجو) أو كجهة مستقلة (الكويت والإمارات وكوريا). لذلك، فإن إنشاء ذراع استثمارية مستقلة تحت مظلة ''ساما'' ستساعد على استقطاب الكفاءات المتخصصة في إدارة الأصول السيادية برواتب ومزايا مغرية، لأن سلم الرواتب لدى ''ساما'' مرتبط إلى حد ما بسلم الرواتب في نظام الخدمة المدنية، ما يجعل من الصعب استقطاب هذه الكفاءات. في النرويج على سبيل المثال، تتم إدارة الفوائض النفطية تحت مظلة وزارة المالية، لكن هذه الجهة المختصة لديها القدرة على استقطاب الكفاءات برواتب مغرية ومقاربة للقطاع الخاص. إن التوجه الآن بين الصناديق السيادية إلى استقطاب الكفاءات، وبالأخص الوطنية التي لديها خلفية في المجال المالي والاقتصادي من أجل تقليل الاعتماد على مديري الثروات الخارجيين، ومن ثم تقليل المصروفات الإدارية والاستثمارية. أخيراً، بما أن هدف مجلس الشورى تقديم النصح لولي الأمر كما هو الحال في مناقشة أداء الوزارات الأخرى، نجد أنه في أغلبية الدول التي لديها صناديق سيادية، أن البرلمان يبدي رأيه ويناقش وزارة المالية (باعتبارها المالك للصندوق السيادي) في السياسة الاستثمارية العامة investment policy، وكذلك مستوى تحمل المخاطر risk tolerance وفي بعض الأحيان التوزيع الأمثل للاستثمارات بشكل عام وليس مفصلا. كذلك يقوم البرلمان بتقييم مستوى الأداء للقائمين على إدارة هذه الأوعية الاستثمارية ومدى تحقيق أهدافها. خلاصة القول .. بما أن الموجودات الأجنبية لـ ''ساما'' ستستمر في النمو بمعدلات عالية مع ارتفاع تدفق الإيرادات النفطية، بات من الضرورة الفصل بين الاحتياطيات الأجنبية والأوعية الاستثمارية الأخرى من خلال إنشاء ذراع استثمارية تحت مظلة ''ساما''، نظراً لاعتمادنا على مصدر دخل ناضب (وهو النفط) من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد وضمان أن الأجيال القادمة سيكون لديها مستوى رفاه اقتصادي مقارب للجيل الحالي، وإن كنا نطمح إلى أن يكون أفضل مما عليه الآن.
إنشرها