Author

التأمين الصحي بين منطلقاتهم ومنطلقاتنا

|
مختص في التمويل والتنظيم وأكاديمي
[email protected] (في التأمين والسياسات الصحية 5) البداية من حيث انتهاء الآخرين قطع لمسافات زمنية واستفادة حقيقية من أخطاء الآخرين، فالخبرة ما هي إلا نتاج أخطاء تراكمت على مر السنين. هذه الحقيقة أصبحت من المسلمات التي تؤمن بها جميع شعوب الأرض. فالتاريخ يخبرنا أن مخترع السيارة لم يكن يابانيا لكن اليابان أسهمت بشكل فاعل في تطوير هذه الصناعة بل ونافست بلد المنشأ جودة وسعرا. البعض قد يخلط بين الاستفادة من تجارب الغير وبين نسخها. فنسخ التجربة شيء والاستفادة منها شيء آخر. فنسخ التجربة عادة ما يأتي بنتائج مخيبة للآمال بسبب عدم الإلمام الكامل بالمنطلقات والتي منها المنطلقات الأيدلوجية والبنية التحتية. والاستفادة من التجارب قد لا تكون مقصورة على التجارب المشرقة خصوصا إن كنت تلك التجارب الفاشلة "إن جاز تسميتها بذلك" فيها كنوز من الخبرات شريطة تحديد المكنونات "الحقيقية" المتسببة في عدم نجاحها. من المعلوم أن التأمين الصحي بدأ في ألمانيا عام 1883 ثم في بريطانيا عام 1911 ثم فرنسا ثم انتشر في أوروبا. لا شك أن هناك كتابات مشكورة تحدثت عن تجارب بعض الدول في التأمين الصحي لكن بعضها سرد معزل عن دوافعها. فمثلا الشعب الأمريكي يعتبر إتاحة خيارات عديدة جزءاً من الإرث الثقافي والاقتصادي الرأسمالي. والنظام الصحي الأمريكي عموما يؤمن بمبدأ تعدد الخيارات وتنوعها، لذا نجده يتميز بتعدد أنظمته التأمينية. وهناك المنظمات الصحية غير الربحية HMO، وFree for Services والدفع المباشر نظير تلقي الخدمة علاجية وشركات التأمين بخططها التأمينية المختلفة الربحية وغير الربحية إضافة إلى تنوع في المسالك الصحية. والمديكير - Medicareلمن هم فوق 65 سنة والمديكيد Medicaid لأصحاب الدخل المحدود. لذا نجد أن هذه الأنظمة تختلف أيضا وطريقة الدفع حيث إن الحكومة الفدرالية تدفع جزءاً بينما البعض الآخر يدفع عن طريق الولايات Local Government أو الدفع المباشر لشركات التأمين سواء من الأفراد أو الشركات. لذا نجد أن حرية الاختيار كثقافة وقيمة ومبدأ أنعكس على طريقة تطبيق التأمين الصحي وإن كان انعكاس تلك القيمة المتأصلة في الثقافة الأمريكية انعكس سلبيا على التكلفة العلاجية. في دراسة قام بها باحثين من جامعة هارفر قبل قرابة السنين والنصف بينت أن تعقيدات تكلفة الرعاية الصحية كلفت الولايات المتحدة قرابة 399 مليار دولار. الدراسة قدرت أن التأمين الصحي الحكومي قد يحفظ على أقل تقدير 286 مليار دولار سنويا من التكلفة الإدارية. هذا المبلغ كاف لتغطية كل غير المشمولين في الرعاية الصحية (أكثر من 46 مليون مواطن) من غير المؤمنين صحيا وتزويد كل مواطن أمريكي بالعلاج. لذا نجد أنه أخيرا تعالت أصوات المطالبين بتوسع خدمة المديكير لتكون أكثر شمولية لكن تعقيدات الأنظمة الصحية المختلفة وتسلط شركات التأمين وشركات الأدوية يحول عادة دون ذلك. أما النظام الصحي الهولندي فقد تم تبنيه لأسباب سياسية ولكونها كانت مستعمرة ألمانية، كما أن التقارب الأيدلوجي والثقافي بين النظامين الهولندي والألماني سهل المهمة بشكل كبير. ومما يميز النظام الصحي الألماني وهو من أقدم الأنظمة الصحية وهو قريب من النظام التأمين الصحي الذي نسعى لتطبيقه "أنه مبني على توازن القوى بين المؤسسات المدنية كالنقابات الصحية ومنها نقابة الأطباء وغيرها. و Sickness Fund وهو الجزء المؤثر في صناعة التأمين الصحي الألماني والذي هو عبارة عن الجزء المخصص من الميزانية الحكومية للصرف على التأمين الصحي يدار من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية وليس وزارة الصحة. في الجانب الآخر من الكرة الأرضية نجد أن أغلب الدول الأوروبية ونمور آسيا تنطلق من منطلقات اجتماعية، لذا فعلى الكل المشاركة في تحقيقه وإن كان مدى المشاركة في القسط الصحي يختلف لكن عموما الصيغة المعتمدة في تطبيق التأمين الصحي تصب في إطار النظام الصحي الاجتماعي. وهناك دول تعتمد على شركات التأمين كجزء أساسي من منظومتها الصحية وإن كانت أخرى كبريطانيا تعتمد مباشرا على مستشفياتها الحكومية لتغطية التكلفة العلاجية (لذا فإن النظام الصحي البريطاني يعاني من صعوبة الحصول على الرعاية الصحية بسبب طول طوابير الانتظار). أما سبب تشكل النظام الصحي البريطاني بالصورة الحالية فيعود إلى عام 1911 عندما حاول الورد جورج منع الفقر بسبب المرض. فالنظام الصحي البريطاني ينطلق من التأمين على الدخلNational Income Insurance بدلا من النظرة الصرفة للتأمين على الصحة National Health Insurance. وعند النظر إلى منطلقات النظام الإسلامي للتأمين الصحي نجدها مبنية على أساس التكافل الاجتماعي ومفهوم تكفل الدولة بتأمين الصحة لرعاياها. لذا نصت المادة 31 من النظام الأساسي للحكم عام 1412هـ على أن الدولة تعنى بالصحة العامة وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن. فالتأمين الصحي التعاوني مبني على قاعدة المشاركة وليست المتاجرة وهي نظره تتفق مع القيم والمبادئ الإسلامية والنظام الأساسي للحكم. تدور الحوارات في وزارة الصحة أن أحد أسباب اقترابنا من التأمين الصحي الألماني نظرا لتلقي وزير الصحة السابق دراسة الطب في ألمانيا لذا فإني أريد أن أهمس في أذن وزير الصحة أن رئيس هيئة سوق المال السابق سبق أن صرح أن خسارة بعض المواطنين في سوق الأسهم يرجع لعدم اكتمال الأنظمة منذ نشأة السوق وعدم اكتمال دور هيئة سوق المال. الذي أخشاه أن يكون لدينا ضحايا تصحيح بعض الأنظمة الصحية "خصوصا أن هناك محاور متعددة لم تكتمل صورتها بعد للمتابع لقضايا التأمين الصحي" ككيفية الحد من ارتفاع التكلفة العلاجية مستقبلا، وكيفية مراقبة القطاع الخاص والعام من مدى الالتزام بالمعايير الصحية، وكيفية الحد من الانعكاسات السلبية للتأمين الصحي على الاقتصاد الوطني خصوصا في ظل العولمة وهل التأمين تعاوني فعلا أم تجاري؟ وغيرها من المحاور التي لم يجب عليها القائمون على مجلس الضمان الصحي التعاوني أو الندوة الدولية للضمان الصحي التعاوني التي أقيمت في شهر شعبان الماضي وتشرفت بافتتاحها. لذا فإنني أخشى يا معالي الوزير أن يكون لدينا ضحايا للتأمين الصحي بسبب عدم اكتمال أنظمة مجلس الضمان الصحي التعاوني. لذا، فإنني أرجو أن تكون منطلقات التأمين الصحي لدينا مبنية على أساس تكفل الدولة بتوفير الرعاية الصحية لموطنيها. فالأمم العظيمة تستمد قوتها ليس من تقليد الآخرين ولكن من إبداع يتناسب مع خصوصيتها وظروفها ومنطلقاتها خصوصا هناك أنظمة صحية تعاونية مطبقه في بعض الدول المتقدمة ككندا يمكن الاستفادة من تجربتها وليس نسخها.
إنشرها