Author

فلتكن أسئلة الاختبارات صعبة للغاية

|
لا يخفى على أحد صعوبة مرحلة الاختبارات في المدارس والجامعات، وكلنا نعلم الضيق والحنق الشديد الذي تعانيه الأسر والأفراد جراء موجة الامتحانات وتعدد أساليب القياس وتكلفتها وضياع معايير التقييم. ولا أريد أن أدخل في معايير التقييم الحالية من قياس، وتحصيل، ومقابلة شخصية، إضافة إلى مؤهل الثانوية العامة، لكن نقاشي سيكون مقتصرا على المعيار التقليدي للتقييم وهو الاختبارات في المدارس والجامعات، أي الاختبارات التي يعدها الأستاذ في المدرسة أو الجامعة من أجل قياس مدى تحصيل الطلاب. وبناء على الآثار الجانبية التي تحدثها الاختبارات على نفسية بعض الطلاب فإن البعض ينادي بإلغائها واستبدالها بأدوات تقييم وقياس أخرى. ومضى كثير من مؤسسات التعليم العالي والعام في كثير من الأقطار بتهذيب الامتحانات، أو تمييعها، أو إلغائها بالكلية حفاظا على نفسية الأجيال ومراعاة للرأي العام. وقد يكون مثل هذا الإجراء مقبولا في المراحل المبكرة من التعليم إلا أن إلغاء الاختبارات في الصفوف المتقدمة غير مقبول ألبتة عندما تتنوع المعارف ويصعب قياس تحصيلها، فهناك بعض المواد والمهارات لا يمكن قياسها دون الاختبارات التقليدية، كما أنها لا تزال الوسيلة المثلى للتقييم والقياس، لهذا يمكن القول إنه لا يمكن الاستغناء عن الاختبارات، فهي أداة منطقية وأسلوب مقنن للقياس، ومهما استخدمت أدوات قياس أخرى تظل الامتحانات لا غنى عنها. وطالما أن الامتحانات شر لا بد منه فإنني أريد هنا أن أبين وجهة نظري حيال طريقة التعامل مع الامتحانات من قبل الأستاذ، والطالب، والنظام في بيئتنا التعليمية بشكل عام. ينادي الكثيرون، ومنهم مربون، أن تكون أسئلة الامتحانات متوسطة إلى سهلة وفي متناول السواد الأعظم من الطلاب، وأنا ضد هذا الرأي، فالأسئلة يجب أن تكون في غاية الصعوبة، وبعضها يجب أن تكون أعلى من مستوى الطلاب المتفوقين وتكون بالفعل تحديا للعقول، ففي هذا مكاسب جمة وفوائد عظيمة، فتعمد صعوبة الأسئلة لا يعد فقط طرقا لقياس القدرات والتحصيل، لكن له مآرب أخرى، منها: 1. تعد صعوبة الأسئلة في الاختبارات التقليدية وسيلة رقابية، فهي تحارب الغش بشكل مبهر، بحيث إنها تحجز الطالب المتفوق والمتمكن من المادة العلمية وتركنه في زاوية ويبقى كذلك يركز في إجابته ويتخلى عن زملائه الذين استودعوه مساعدتهم قبيل الامتحان. وبهذا فهي أداة رقابية وقائية مؤدبة تليق بالمؤسسات التعليمية، فأكثر ما يشغل الطاقم الإداري والتعليمي في الجامعات والمدارس - خصوصا في بيئتنا التعليمية - الغش أيام الامتحانات، وتفنن الطلاب جراء ذلك، بل طوعوا كثيرا من الوسائل الحديثة، ومنها التقنية في سبيل أداء مهمة الغش على أكمل وجه، فصعوبة الأسئلة تقضي على ظاهرة الغش وتجعلها غير فاعلة ألبتة. 2. السبب الآخر لفائدة صعوبة أسئلة الاختبارات وضع مقدرة الطلاب على المحك وقياس مقدرتهم على التذكر، والتقييم، والاختزال بسرعة فائقة في زمن يسير، وهنا يمكن قياس مقدرة الطالب على الإلمام بالمادة العلمية واستيعابها بشكل جيد إذا استطاع أن يجيب عن جزء من الاختبار وليس بالضرورة أن يجيب إجابة صحيحة على الأسئلة كافة، لأن الاختبارات الصعبة تم إعدادها لأغراض متعددة قياس الحصيلة العلمية لا يعد الهدف الوحيد. 3. تدريب الطلاب على الألم، والتحدي، وتحمل الصدمات العاطفية، فالاختبارات الصعبة تصيب الطالب بخيبة أمل نتيجة الألم، ولهذا يجب أن يشعر الطالب ببعض هذه الإخفاقات حتى يكون قادرا على مواجهة ما قد يعترضه من صعاب في مستقبل حياته. نحن نعلم أن الاختبارات المتواضعة قد تسعد الطالب وترضي الجهات الرسمية عن الأستاذ إلا أنها لا تصنع جيلا، ولا تبني أنفسا، ولا تصقل عقولا. 4. تدريب الطلاب على المهارات العقلية والاستيعابية في ظروف مشحونة، وهذا بدوره سيوقظ قدرات الطلاب الكامنة ويفجر مهاراتهم الباطنة التي لا يمكن أن تظهر إلا في مثل هذه الظروف. 5. إحساس الطالب بأهمية المقعد - خصوصا المقعد الجامعي - الذي يشغله، فإذا أحس ولو مجرد إحساس بأنه قد يفقد هذا المقعد فلن يتهاون ولن يتكاسل. نلاحظ أن كثيرا من الطلاب، خصوصا في السنوات الأخيرة لا يوجد لديهم أي تقدير للمقعد الجامعي ولا يعرفون ثمنه، فمجرد قبول الطالب في الجامعة يرى أن تخرجه فيها يعد مسألة وقت وأنه لا يحول بينه وبين نيل الدرجة إلا سنوات عذبة تمر. لكن هناك شروط يجب الأخذ بها عند تعمد صعوبة أسئلة الاختبارات، فليس من الحكمة أن تكون جميع الاختبارات صعبة، بل جزء منها كأحد اختبارات أعمال السنة مثلا، أو الاختبارين معا ويكون الاختبار النهائي في متناول الأغلبية إلى حد ما أو تسهل اختبارات أعمال السنة، ويعد الاختبار النهائي صعبا شريطة ألا يعلم الطالب أيا منهما سيكون سهلا أو صعبا حتى يعد عدته ويستعد لمواجهته، المهم أن الطالب يجب أن يعلم أن أحد الاختبارات يمكن أن يكون صعبا للغاية. كما يجب أن يدرك أن الأمر ليس انتقاما ولا رغبة في الإذلال بل في البناء، والإعداد، والتربية لمواجهة الحياة. وبعد أن تنتهي مراسيم الاختبارات يجب ألا تتم التضحية بجهود الطلاب المتفانين والمتفوقين والمجتهدين، فعندما يلاحظ الأستاذ أن مجموع الدرجات لجموع الطلاب لا تعكس بالفعل أداءهم فعليه أن يعيد ترتيبها بطريقة تمكنه من إعادة الأمور إلى نصابها ورد الحق إلى أصحابه، وهنا لن أخوض كثيرا في آليات إعادة ترتيب الدرجات، فالأساتذة في الجامعات والمدارس يعرفون كيف يديرون مثل هذه الأمور ويدركون بالضبط ماذا أقصد. نتمنى لطلابنا من الله التوفيق ولأساتذتنا العون في تقييم الجهود وحسن قياس التحصيل، فمهمتهم عظيمة ورسالتهم مقدسة.
إنشرها