Author

الإدارة المالية وغياب الدافع

|
أتحدث عن المدير المالي باعتباره من يدير معظم الإجراءات المحاسبية والمالية في المنشأة. يقوم المدير المالي في المنشأة الصغيرة، إضافةً إلى مهامه الأساسية، بالكثير من المهام الإدارية الأخرى ويلعب دور ''الجوكر'' واليد اليمنى للإدارة، بل قد يكون هو نفسه المدير العام. في حين يظهر في المنشآت الأكبر أكثر من مدير مالي يختص كل منهم بمجموعة محددة من المهام، هناك مثلا من يختص بالموازنات التقديرية وآخر يهتم بالحسابات النظامية والضريبية وغيره يدير الخزانة وعلاقات البنوك، وهناك من يعد التحاليل للإدارة، وهكذا. إذا حاولنا النظر إلى التحديات التي يواجهها المدير المالي سنجد أنها متعددة ومتنوعة، بعضها فني تخصصي وبعضها ثقافي يرتبط بالمؤسسة والمجتمع. أول هذه التحديات التي يواجهها كل من يقوم بأعمال المدير المالي تتمحور حول غياب الدافع الذي يضمن أداء هذه المهام بمستوى مقبول، ويضمن كذلك استمرار تطويرها وتحسينها. يغيب الدافع لأكثر من سبب جُلّها يعود إلى اعتبارات خاصة ببيئة العمل وافتقادها التنظيم والحوافز. أول هذه الاعتبارات ضعف المتطلبات النظامية للتقارير المالية محلياً. فهي معدومة عند بعض فئات الأعمال التجارية، وقليلة عند الجهات الأخرى. على سبيل المثال، لا يوجد للمنشأة الصغيرة أي متطلب نظامي لتقديم الحسابات النظامية (وهي تلك التي تعدها الإدارة بموجب المعايير المحاسبية المستخدمة محلياً وتكون مُراجَعة من مراجع الحسابات) باستثناء ما تطلبه مصلحة الزكاة وضريبة الدخل. وعلى الرغم من مطالبات المصلحة بتقديم الحسابات النظامية إلا أنها لا تزال تعالج مجموعة كبيرة من المنشآت الصغيرة بالحسابات الجزافية. وهذا يعني أن المدير المالي لا يواجه ضغوطا لتقديم حسابات نظامية والخضوع لمراجعة الحسابات، وسينتج عن ذلك أثر سلبي معتبر في الإدارة المالية وغياب كبير لأحد أهم دوافع المدير المالي لتحسين كفاءة مهامه التي يقوم بها. هناك جهات كثيرة تطلب من المنشأة تقديم حساباتها النظامية كالبنوك التجارية وبعض شركاء الأعمال، لكنها ليست بصفة دورية منتظمة، ما يحفز المدير المالي على التقاعس عن إقفال حساباته في الوقت المناسب ويقلل بالتالي من جودة المهام التي يديرها. في حديث جانبي خلال دورة للمديرين الماليين، قال أحدهم: ''أنصح الجميع باستخدام تحاليل إنتاجية الموظفين وأتمتتها بطريقة دورية مع حسابات الرواتب، لتستفيد منها الإدارة بطريقة مباشرة''. يجيبه آخر من الحضور: ''يا عزيزي، مدير الشركة لا يهتم! لأنه ببساطة لا يفهم!''. ثاني الاعتبارات هي قلة الوعي – خصوصا لدى الإدارة العليا أو الملاك – التي تُعظم من غياب الدافع لدى المدير المالي. كلما ارتفع وعي من يستقبل التقارير المالية، زادت دوافع المدير المالي لتقديم أداء أفضل. إدارة المنشأة التي تحوز وعيا تجاريا وتنظيميا جيدا وإدراكا رقابيا معتبرا وتهتم بصنع قراراتها بناءً على تقارير مالية موضوعية وملائمة، ستكون أول ما يحفز المدير المالي على تحسين عمله وتطوير فريق العمل. بل إن الإدارات الذكية تُمكّن المدير المالي من العمل على المزيد من التحاليل الكمية والنوعية غير الاعتيادية المخصصة للمنشأة وإدخال عناصر الإبداع في تطبيقات الإدارة المالية. هذا النوع من الحوافز يدفع المدير المالي للحرص على تطوير وتشجيع من يعمل معه على التأهيل المهني المستمر، فهو يستند إليهم للقيام بالمهام المالية المتعددة. يقف المدير المالي في منتصف ورشة عمل ''تواصلية'' مستمرة مع بقية أقسام المنشأة. المهام المحاسبية والمالية تتمحور حول معالجة البيانات التي تأتي من قنوات مختلفة (الجهات التشغيلية داخل المنشأة) وتتم معالجتها لتستفيد منها الجهات التشغيلية والإدارة وبعض الأطراف الخارجية. في قلب ورشة العمل التواصلية هذه هناك جانبان لهما تأثير سلبي في دوافع المدير المالي نحو أداءٍ أفضل: الفاعلية التواصلية والأداء التشغيلي. تحدث الفاعلية التواصلية بين المدير المالي وبقية الجهات التشغيلية، وهذا الجانب يعتمد على الشكل التنظيمي للمنشأة وثقافة المنشأة الداخلية وطريقة انتقال المعلومات وتوزيع الصلاحيات والمسؤوليات. إذا تدنت هذه الفاعلية التواصلية، تدنت دوافع المدير المالي لتحسين عمله. إذا لم يتمكن من الحصول على البيانات بصورة ملائمة وفي وقت مناسب، سيتم دفعه للكسل والخمول. يتجلى الجانب الآخر حين لا تقوم الجهات التشغيلية الأخرى بمهامها على الوجه المطلوب، وهذا يحدث حتى لو كانت فاعلية المنشأة التواصلية مرتفعة. لو تكرر عجز إدارة المبيعات في ضبط مداخلها ومخارجها والتقرير عن ذلك بدقة، لن تستطيع إرسال معلومة ملائمة إلى الإدارة المالية حتى لو كانت قناة التواصل بين الإدارتين فاعلة وقوية. لذا، يجب أن تكون أهداف الأقسام التشغيلية واضحة وموثقة بمؤشرات أداء قابلة للقياس وعمل على أرض الواقع يطابق هذا كله. هناك الكثير من الأمور التي تتسبب في فقدان المدير المالي ما يدفعه لأداء أعماله بجودة معتبرة. طبيعة المحفزات من حوله إضافةً إلى دوافعه الشخصية والمهنية كلها تصب في غياب هذه الدوافع أو ظهورها. وإذا لم يتمكن المدير الجيد من استغلال هذه الدوافع فعليه أن يبحث عنها أو يصنعها، أو في أسوأ الأحوال: يغير عمله أو أفكاره. يجب على مديري المنشآت وملاكها الحرص على حيازة المزيد من الوعي المالي والإداري، لأن هذا هو الطريق الأفضل لإدارة مالية متفوقة وبالتالي، قرارات أفضل وعمر مديد وفاعل في عالم الأعمال. وإلا، فإن عليهم مواجهة هروب المديرين الجيدين الذين يبحثون عن بيئة الحوافز، وسيضطرون حينها إلى القبول بالأقل، الذي سيعطيهم بكل تأكيد: أقل.
إنشرها