Author

الحاجة إلى نموذج اقتصادي معرفي

|
من أكثر التحديات التي يواجهها اقتصادنا، أنه يعيش في مرحلة تحول مهمة جداً، تتمثل في التحول من اقتصاد الريع والاعتماد على نموذج الإنتاج المصمم بناءً على معطيات خارجية لعنصر العمل، إلى التحول لنموذج يعتمد بالدرجة الأولى على نموذج إنتاجي معتمد بالدرجة الأولى على عنصر العمل المحلي. النموذج الأول أسهم في تحقيق التنمية التي تنعم بها المملكة الآن، لكنه بالتأكيد لم يعد نموذجاً مستداماً وقابلاً للاستمرار في ظل تزايد عدد الداخلين لسوق العمل، وارتفاع معدلات البطالة. النموذج الأول خلق المنشأة التجارية العائلية التي استفادت بشكل كبير من الطفرة التي شهدتها المملكة مع بداية عملية التنمية، وكان لعنصر العمل الأجنبي سواء الإداري أو اليد العاملة دور كبير في تعزيز مكاسب هذه المنشآت العائلية وتعظيم أرباحها. السياسة الاقتصادية للدولة في ذلك الوقت كانت مرنة جداً للتعامل مع ظروف الواقع الاقتصادي في ذلك الوقت، وبالتالي شرعت الكثير من التنظيمات التي أسهمت في استيراد العمالة الأجنبية لتعزيز عملية التنمية، كما وفرت التمويل الميسر ووضعت التشريعات التجارية التي تحمي المنتجات الوطنية. اليوم الوضع تغير، وأصبح التحول مطلوباً للتعامل مع متطلبات المرحلة الحالية. الاعتماد على العرض اللانهائي من العمالة الأجنبية لا يمكن أن يتوافق مع الأهداف التنموية التي تتمثل في زيادة التوظيف للمواطن، وتنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني. النموذج السابق لن ينتج إلا مزيداً من شركات المقاولات والخدمات والصناعات البسيطة التي لا تتناسب مع التطلعات الكبيرة لاقتصاد مثل اقتصاد المملكة، إضافة إلى مزيد من البطالة بين المواطنين. والاستمرار في هذا النموذج سيؤدي إلى مزيد من التفاوت في مستويات الدخول، وفي تقويض القدرة الاستهلاكية للمواطن التي يمكن أن تمثل أحد المصادر الرئيسة لتنويع القاعدة الاقتصادية. ما نحتاج إليه الآن هو التحول إلى اقتصاد معرفي قادر على إضافة مزيد من الوظائف التي تناسب مؤهلات وظروف المواطن الداخل لسوق العمل، لا مع مؤهلات وظروف العامل القادم من الخارج. الأسطورة التي يعزف على أوتارها المعارضون لكل مشاريع الإصلاح في سوق العمل، التي دائماً تتغنى بعدم تأهيل المواطن أو عدم جديته، فشلت أمام النجاحات التي حققها المواطن في العمل في شركات كبرى كـ ''أرامكو'' و''سابك'' وغيرها، وشركات عائلية أخرى أخذت على عاتقها مسؤوليتها تجاه الوطن، والتزمت بمتطلبات زيادة التوظف للمواطن. عملية التحول ستشهد تحديات كبيرة عدا الممانعة من قبل القطاع الخاص الذي يطالب في الوقت نفسه بحماية منتجاته وتوفير التسهيلات والتمويل الميسر له. التحول الذي نطمح إليه لنكون اقتصاداً معرفياً، سيتطلب تغييرات كثيرة سواءً في التعليم والثقافة والإدارة الحكومية. سيتطلب ذلك توجهاً نحو تعزيز الإبداع والتميز سواء في المدرسة أو الجامعة أو في الإدارة الحكومية، بحيث يكون الترقي مرتبطا بالدرجة الأولى بالكفاءة والتميز. ما تقوم به وزارة العمل لإصلاح سوق العمل جزء واحد من هذه المنظومة الشاملة من الإصلاحات. الجوانب الأخرى تتطلب تحركاً موازياً وبالدرجة نفسها من جميع الجهات لتحقيق التحول نحو اقتصاد معرفي قادر على استيعاب هذا الكم الكبير من المواطنين المتخرجين في الجامعات السعودية ومن المبتعثين في الخارج. هؤلاء يحتاجون إلى وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم وتطلعاتهم، وتسهم في إطلاق طاقاتهم، والنموذج الحالي بالتأكيد لن يكون المناسب لتحقيق ذلك.
إنشرها