Author

المخدرات.. الجديد يرفع الرأس!

|
عامان وفوقها بضعة أشهر، هكذا مرت الأيام.. قبل هذه المدة تشرفت بزيارة المديرية العامة للمخدرات بدعوة من مديرها أخينا اللواء عثمان المحرج، وقبل أسبوعين أيضاً تشرفت مع عدد من الزملاء الكتاب بزيارة المديرية، وفي المدة الفاصلة بين الزيارتين ثمة فارق نوعي كبير في تطور مكافحة المخدرات في بلادنا، تطور نوعي في الأفكار المهنية المحترفة، وتطور نوعي في آليات العمل الميدانية، وتطور نوعي في الموارد البشرية، وتطور في الأسلوب الإنساني والاجتماعي الذي تتبعه المديرية ومؤسساتنا الأمنية والاجتماعية الأخرى لمكافحة هذا الخطر الكبير، وأيضا ثمة تطور في الجهود التي تبذل لحشد المجتمع الدولي للتكاتف في هذا الميدان.. والمملكة لها إنجازات مشرفة في هذا المجال. في الزيارة الأخيرة مع الزملاء الكتاب قدمت لنا القيادات في المديرية واقع عمليات ضبط المخدرات في منافذنا البرية والبحرية والجوية العديدة، وكمية المخدرات المضبوطة مخيفة، ''وهي لا تشكل سوى 20 في المائة مما يضبط''، وأساليب التهريب أيضاً معقدة ومتطورة وتكشف أن ذهنية الإجرام لا تنام، فهي في حراك دائم للتحالف مع الشيطان، مما يعظم الأعباء والمسؤوليات على إخواننا في المؤسسات الأمنية.. بالذات مكافحة المخدرات. وهذه الأعباء ستتراكم إذا لم يتطور الوعي الاجتماعي ويتحول المجتمع ليكون خط الدفاع الأول في المكافحة والمتابعة وفي الضبط الاجتماعي للشباب. وفيما يخص الشباب كل الذي نخشاه.. هو أن مجتمعنا سيواجه حالة تدمير كبرى لشبابنا ''ثروتنا الوطنية''، وهذا الخوف له مبرراته التي نراها بين أيدينا، فأوضاعنا إذا لم نتداركها بالمبادرات الإيجابية الذكية، نخشى تحولها لبيئة محفزة لتوسع تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية الأخرى، وما يكشفه واقع المخدرات ربما يدعم المبررات والدعوات الوطنية المطروحة، وآخرها دعوة مجلس الشورى، لإنشاء وزارة متخصصة متفرغة للشباب. لدينا في المملكة أوضاع مثالية لازدهار ونمو تجارة المخدرات، ويتصدر هذه الأوضاع ''وهذا مؤسف جدا'' ما نلمسه جميعا من تراجع كبير في ''دور الأسرة'' كمؤسسة رعاية وضبط وتوجيه للأبناء. أيضا لدينا ولله الحمد السعة المالية التي توفر القوة الشرائية، ولدينا فئة عمرية كبيرة من الأطفال والشباب، وهذه الشريحة تستهدفها عصابات المخدرات بقوة لأجل توسيع الأسواق في المستقبل ''بناء حصة سوقية!''، وهذا ما نغفل عنه ولا نستوعبه مما يسهل لهم المهمة. ولدينا الحدود البرية والبحرية الواسعة، ولدينا حركة استيراد ضخمة للبضائع من مختلف الدول، ولدينا التميُّز الجغرافي، حيث نقع بين أحد محاور نقل المخدرات الرئيسة، ولدينا حالة اجتماعية تتطور وهي: الاتكالية الكبرى على مؤسسات الدولة لتقوم بأشياء كثيرة نيابة عنا! ولدينا نسبة كبيرة من العمالة المقيمة غير النظامية التي ربما تحدوها ظروفها الصعبة إلى مسالك الشر! الآن وفي مثل هذه البيئة المثالية، علينا جميعا أن نتصور على أية جبهة يعمل إخواننا في قطاع مكافحة المخدرات. هؤلاء يقفون على ''خط النار'' في كل دقيقة، وكل فرد منهم يخرج من بيته وهو لا يعلم: هل سيعود إلى عائلته وأبنائه.. أم هي رحلة الوداع الأخير؟! وعند مدخل المديرية العامة للمخدرات يغمرك الحزن ويعذبك الألم الشديد عندما ترى صور شهداء الواجب من إخواننا الذين ضحوا بحياتهم ليحمونا من شرور المخدرات.. شهداء من مختلف الأعمار والرتب العسكرية، وطابور الشهداء لا يتوقف! من الإدارات الجديدة في المديرية إدارة الأبحاث والدراسات وهذه تقوم بمهمة كبيرة لتتبع آثار المخدرات وتعمل على تقصي ما هو معروض في أسواقنا والتي قد تؤدي إلى الإدمان، ويتوقع أن تقوم بدور كبير في مجال التوعية والإرشاد وتزويد الجهات المعنية بكل ما هو جديد من معلومات في مجال مكافحة المخدرات. أيضاً ثمة تطور كبير في أداء إدارة التعاون الدولي حيث تعمل هذه الإدارة مع المنظمات الدولية ومع أجهزة المكافحة في الدول الشقيقة والصديقة لتتبع تصنيع وتجارة المخدرات، وتم تنفيذ عمليات نوعية كبيرة بفضل الله ثم بفضل الجهود السعودية المبذولة على عدة أصعدة لمكافحة المخدرات. العاملون في مجال مكافحة المخدرات يقومون بهذه الجهود معززين بإيمانهم بواجبهم الديني والوطني، وهم يتلقون الدعم الكبير من مؤسسات الدولة المختلفة، وأيضا دعمهم الكبير يجدونه من الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية الذي يبقى على اتصال وتواصل دائم مع العاملين في مكافحة المخدرات.. يدعم ويوجه ويتقصى الحاجات الإنسانية والاجتماعية للعاملين في مكافحة المخدرات. إنهم يستحقون كل الدعم والمؤازرة، ولعل أكبر دعم ننتظره جميعا هو إنشاء ''مجمع المديرية''، حيث يضم مقرها الإداري الرئيس مع ''سكن للعاملين'' معزز بالخدمات الأساسية، حتى يكونوا مع عائلاتهم في بيئة آمنة مستقرة، وثقتنا كبيرة بالمسؤولين في وزارتي الداخلية والمالية للإسراع في تحقيق هذا المجمع، والإنفاق على مكافحة المخدرات هو استثمار في مستقبل بلادنا، وربما الأوضاع الإقليمية الحالية، واستهداف بلادنا في أمنها وشبابها، قد تجعل الإنفاق ضروريا حتى لو استدانت الدولة، فكيف هو الحال ونحن في بحبوحة مالية، ولله الحمد، والشكر والثناء من قبل ومن بعد.. وللحديث بقية.
إنشرها