Author

الميزانية السيادية

|
في المقال السابق (الميزانية العامة للدولة.. الطموح للأفضل)، كان الحديث عن ضرورة تبني ميزانية عامة للدولة ذات المدى المتوسط. استكمالاً لهذا، هل هناك ضرورة إضافية لإعداد ميزانية سيادية للدولة ككل، أو أن الميزانيات العمومية السنوية للجهات الحكومية التي تدير جزءا من الأصول والخصوم السيادية (مثلا وزارة المالية والبنك المركزي ومصلحة معاشات التقاعد ... إلخ) كافية؟ في البداية، عديد من دول العالم تبنت أسلوب إعداد الميزانيات السيادية بسبب الزيادة السنوية في الميزانية العمومية لكل من الحكومات والبنوك المركزية، والمخاطر الديموغرافية الناتجة من إدارة معاشات التقاعد، وكذلك محاولة الحفاظ على ثروة الأجيال القادمة الناتجة من الموارد الطبيعية غير المتجددة. لذا برزت أهمية إدارة احتياطيات النقد الأجنبي والديون العامة وصناديق الثروة السيادية وصناديق معاشات التقاعد، في إطار ممنهج وشامل من أجل تقييم مدى الاستمرارية والتعرض لمخاطر الميزانية السيادية (مثلا الانكشافات المالية)، والهدف من ذلك دعم سياسات الاقتصاد الكلي على المدى البعيد، من خلال رصد وإدارة الانكشافات المالية في الميزانية السيادية لتحركات أسعار الصرف وأسعار النفط والغذاء وأسعار الفائدة المحلية والدولية. من حيث مكونات الميزانية السيادية، بشكل عام هناك تعريفان: التعريف الضيق ويقتصر على احتياطيات النقد الأجنبي والدين العام، التعريف الواسع ويشمل كل الأصول والخصوم السيادية (مثلا الاحتياطيات الأجنبية، الدين العام، الصناديق السيادية، إدارة معاشات التقاعد، والمؤسسات المملوكة للدولة). بما أن لكل كيان أو جهة حكومية أهدافها واستراتيجيتها الخاصة من حيث التوازن بين العائد(أو التكلفة) والمخاطر، لذا تعظيم الميزانية العمومية لكل جهة حكومية على أساس منفرد هو وضع ''دون الأمثل'' مقارنة بتعظيم الميزانية السيادية للدولة ككل. هنا لا بد من الإشارة إلى أن تبني ميزانية سيادية يتطلب مستوى عاليا من التنسيق المؤسسي بين الكيانات التي تدير الأصول والخصوم السيادية من خلال تبادل المعلومات وتحديد المهام بشكل واضح. لذلك، إضافة إلى أهمية الاستمرار في إصدار الميزانيات العمومية لكل جهة حكومية بشكل منفرد، هناك حاجة ماسة إلى إصدار ميزانية سيادية للدولة ككل للملاءمة بين الأصول والخصوم السيادية وتقليل أي انكشافات مالية في الميزانية السيادية، وذلك من خلال مراقبة وإدارة المخاطر الاقتصادية والمالية. إن التحدي الأكبر هو وضع هذا الإطار موضع التنفيذ من خلال تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية ووضع القوانين واللوائح اللازمة لإصدار الميزانية السيادية. الخيار البديل، هو عدم تبني منهج شامل نحو الميزانية السيادية والاستمرار في الوضع ''دون الأمثل''، ما يحد من معرفة مواطن الضعف في الأصول والخصوم السيادية على مستوى الوطن ككل.
إنشرها