Author

هل نهنئ المسؤولين الجدد.. أم..؟

|
الجمعة الماضي كنا على موعد لدخول قيادات جديدة للخدمة العامة، وخروج قيادات كان لها مساهماتها وإنجازاتها التي علينا أن نثمنها ونقدرها، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ يواصل بشكل متسارع وحكيم ومتوازن وحذر وجريء إحداث نقلات مهمة في إدارة الدولة، تستهدف تطوير ذهنية الحكم بشكل يواكب التطلعات الأساسية للدولة وللشعب، وتستهدف تعزيز الجبهة الداخلية.. وهذه النقلات الأساسية هي مصدر يقين لدينا جميعا بمدى الثقل الكبير الذي يحمله الملك عبد الله على عاتقه، لكي يأخذنا إلى مسارات الاستقرار ومواصلة التعايش الكريم. كيف نرد الجميل لهذا الرجل الكبير؟! المسؤولون الذين خرجوا واجبنا تقدير جهودهم التي بذلوها في الوظيفة العامة، ومن كلفوا بالمهمة الجديدة علينا أن ندعو الله أن يوفقهم ويعينهم، فالوظيفة العامة هذه الأيام لا يُهنأ أصحابُها.. ولكن حقهم (الدعاء والشفقة)، بالذات الآن بعد تطور الظاهرة الجديدة للاحتجاج على كل شيء، ونزوع نجوم ثقافة الاستهلاك الإعلامي الجديد إلى تجميع الأتباع، وتحول أغلب قادة الرأي في الإعلام إلى مفتشين عن الغريب المثير ويتلمسون.. (الجزء الفارغ من الكأس!). في هذه البيئة الإعلامية الجديدة التي تحذر بشكل مبطن من رياح الربيع، المسؤول الحكومي يحتاج إلى الشفقة، لأن عليه القتال على عدة جبهات لكي ينجز، داخل جهازه وخارجه، عليه أن يواجه موارد بشرية متدنية الإنتاجية تعمل بالحد الأدني، وعليه أيضا أن يتخطى المهمة الكبرى وهي قيود الأنظمة المالية والإدارية العتيدة التي لا تحفز على المبادرات والإبداع بما يخدم مصالح الناس ويسهل عليهم، وبما لا يتجاوز المصلحة العليا للدولة. وبالمناسبة هذه الخاصية في أداء الجهاز الحكومي، أي الحذر من المبادرة والاجتهاد، تتعزز وتتوسع مع دخول هيئة مكافحة الفساد بقوة لتكون مفتشا يكافح المخالفات الإدارية الإجرائية اليومية، والتي قد لا يسلم منها المسؤول الذي يعمل ويجتهد ويتعب، والحمد لله في القطاع العام الكثير من الموظفين القياديين والتنفيذيين الذين يبادرون ويجتهدون، وقد يتوسع الاجتهاد لمصلحة العمل ويصيب (اللمم) دون الكبائر، هؤلاء الآن يتراجع أداؤهم وأصبحوا يتشبثون بحذافير الأنظمة والتعليمات.. ويعضون عليها بالنواجذ، همهم أن يحموا سمعتهم من فورة الرقابة.. وهم محقون! و(الخوف من المبادرة) ربما يكون الآن هو حال المسؤولين الجدد على الوظيفة العامة. حالة الخوف هذه إذا عادت روحها الجامعة المانعة للجهاز الحكومي وأصبحت جزءا أصيلا من ثقافة المنظمة، فإن الموظف القيادي سيتحاشى المبادرة وربما يمضي الأوقات (يدافع عن سمعته) ويعد الأيام انتظارا للمغادرة (وقد تكون بطلبه أو دون)، وهنا الطامة الكبرى التي لا تتحملها ظروف مجتمعنا ولا التحديات العديدة التي تواجهنا. إننا نملك الآن وبأيدينا الثوابت الأساسية للدولة ورصيد الثروة الوطنية.. وهذه تجعلنا إزاء ظروف استثنائية تستدعي تعزيز الجبهة الداخلية وحمايتها من المتربصين المتوثبين في الداخل والخارج. إن أكبر محصنات الجبهة الداخلية نجدها في استكمال مشروع بناء الدولة ومؤسساتها، فهذا هو الإنجاز العظيم الذي يكرس (مشروعية الدولة) ويدعم استكمال ضرورات ومستلزمات العقد الاجتماعي الذي تكاتفنا جميعا لتنفيذه، وقد نجحنا في العقود الماضية وحققنا الكثير من المكتسبات التي جمعتنا وكرست الاستقرار الاجتماعي وعمقت شرعية الدولة، وأعطت الأمل للأجيال الجديدة لتواصل دورها للاستزادة وللاستفادة من مكتسبات التنمية في العقود الماضية. رجال ذهبوا ورجال قادمون.. ونقول لمن كلفهم ولي الأمر ووضعهم في سدة المسؤولية، لن تكون المهمة سهلة، وأرجو أن أكون مخطئا عندما يأخذنا الظن بعيدا لنقول إننا في مرحلة قد ''لا تثمن مبادرات المواطن الصالح'' الذي يخلص لأهداف وظيفته وينسى نفسه، مثل هذا الموظف ظهره مكشوف، ولن يستطيع الصمود في بيئة حكومية واجتماعية تتربص بالمخلصين، إنها بيئة طاردة ولا ينمو فيها (رجال الدولة) الذين يبدعون في إدارة التوازنات بما يحقق المصالح والغايات العليا للدولة والمجتمع. مستشفى الملك خالد للعيون .. والشورى مستغرب أن نسمع عن كلام يقال تحت قبة ''مجلس الشورى'' دون أن يكون مستندا إلى حقائق ومعلومات دقيقة. هذا يفقد المجلس هيبته ودوره الوطني المحايد بين الحكومة والناس، ومن هذا ما قيل عن مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون، الذي استطاع أن يقلص بشكل كبير قوائم الانتظار، وينجح في استيعاب الطلب المتزايد على خدماته من مختلف مناطق المملكة، وأيضا يتوسع في الأبحاث ويستقطب كفاءات محلية عالمية لدراسة أمراض العيون في المملكة، ولديه برنامج تعاون متميز مع جامعة جون هوبكنز الأمريكية يخدم مئات المرضى من مختلف مناطق المملكة. كما استقطب المستشفى كبار الجراحين من أنحاء العالم، الذين أجروا مئات العمليات الجراحية المتقدمة والتي كانت تشد الرحال إليها في أقاصي الأرض. وهذا تم بفضل الله ثم بفضل الموارد التي أتاحتها الدولة للمستشفى ليخدم بسطاء الناس قبل كبرائهم. ما تحقق هو قصة نجاح لبلادنا، ومؤسف أن تحارب تحت قبة مجلس الشورى! في المستشفى تحققت إنجازات يجب أن ندعمها، وهذا أقل ما نقدمه تقديرا للقيادات الوطنية التي تعمل بإخلاص وحب لبلادها، وهؤلاء هم ثمرة لبرامج التأهيل التي تبنتها الدولة منذ سنين بعيدة. هل حقهم أن تنسف إنجازاتهم ويشكك فيها، وأين؟ تحت قبة مجلس الشورى! هذا إقلال وتهميش لما تقدمه الحكومة للناس، قبل أن يكون استهدافا للقيادات في المستشفى. القيادات في القطاع العام لن تدوم، سترحل، وعموما الآن الكفاءات المتميزة لا تجد ما يغريها في الوظيفة العامة، ولكن الذي يبقى هو مؤسسات الدولة وخدماتها وسمعتها وهيبتها. لمصلحة من هذا الاستهداف المنظم الذي يهمش ويشكك فيما تقدمه الدولة؟ يبدو أننا دخلنا في المرحلة التي تجعل الحليم حيران! يقول ويل ديورانت: ''في شبابي كنت أهتم كثيرا بالحرية، وكنت أقول إنني مستعد لأن أموت من أجل حريتي، ولكنني في كهولتي أصبحت أهتم بالنظام قبل الحرية.. فقد توصلت إلى اكتشاف عظيم يثبت أن الحرية هي نتاج النظام''.
إنشرها