Author

التحفيز النقدي أو المالي

|
عاد إلى السطح مرة أخرى الجدل الكبير حول الطريقة المثلى للتعامل مع الركود الاقتصادي الذي تشهده الولايات المتحدة. وهذا الجدل احتدم بشكل رئيس بين فئة ترى أهمية التحفيز المالي من خلال زيادة الإنفاق الحكومي كوسيلة لتعزيز النمو والخروج من دائرة الركود الاقتصادي، وأخرى ترى أهمية التركيز على تصحيح وضع المالية العامة وتخفيض الدين العام وإعادته إلى وضع مستقر على المدى الطويل، واستخدام السياسة النقدية لحفز الاقتصاد. الفريق الأول بقيادة الاقتصادي الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد بول كروجمان، والثاني بقيادة جيفري ساكس الاقتصادي في جامعة كولومبيا. والقاعدة التي بني عليها هذا الجدل كانت محل نقاش سابق في أوساط المتخصصين في الاقتصاد الكلي، وبالتحديد بين الكينزيين الذين يؤمنون بأهمية التركيز على تحفيز الطلب الكلي لحفز الاقتصاد، والنقديين الذين يؤمنون بفاعلية السياسة النقدية في تحفيز الاقتصاد. المشكلة أن الاقتصاد الآن في إطار ما يسمى في المصطلح الاقتصادي مصيدة السيولة، وبالتالي من الصعب جداً الاستفادة من السياسة النقدية في تحفيز الاقتصاد، وهو ما يقوي حجة الفريق الأول في مقابل الفريق الثاني. الفريق الثاني يرى أن فكرة تحفيز الطلب من خلال استخدام سياسة التحفيز المالي سيكون لها آثار سلبية كبيرة جداً على أوضاع المالية العامة، وبالتالي في الحد من إمكانات النمو في المستقبل. داعمو الفكرة الأولى من أنصار كروجمان ـــ كبراد ديلونج ـــ يرون أن مضاعف الإنفاق الحكومي سيكون كبيراً، وبالتالي فإن إنفاق دولار واحد من الحكومة، سيكون له مضاعف أكبر من واحد على الناتج العام، بحيث إنه سينتج أكثر من دولار واحد من الناتج العام، وبالتالي فإن ذلك سيعود بشكل إيجابي على الاقتصاد. بمعنى آخر، فإنه كلما زاد إنفاق الحكومة، سواءً بشكل مباشر أو من خلال التخفيضات الضريبية زادت إمكانات النمو على المديين القصير والمتوسط، وبالتالي استطاعت خلق مزيد من الوظائف، وتعزيز الاستهلاك والعودة إلى مسار النمو الاقتصادي مرة أخرى. حينها يمكن للحكومة التركيز على استعادة التوازن إلى وضع المالية العامة. أضف إلى ذلك، أنه في ظل أسعار الفائدة المنخفضة حالياً، فإن الاقتراض الذي ستتحمله الحكومة نتيجة لزيادة الإنفاق لن يكون له تأثير كبير في زيادة الدين العام. جيفري ساكس ــــ من أنصار الفريق الثاني ـــ ينتقد بشدة سياسة أوباما الذي ورث تركة ضخمة من الديون من سلفه، في أنه بدلا من أن يركز على معالجة هذه التركة بالتركيز على تخفيض عجز الميزانية والحد من زيادة الدين العام، فقد تبنى سياسة تحفيز مالي كبيرة كان هدفها الأول التركيز على الاستثمار في مشاريع بنية تحتية لتعزيز النمو الاقتصادي على المدى البعيد. بدلاً من تحقيق ذلك، فإن هذا الإنفاق تركز على تحويلات نقدية للمواطنين في شكل تخفيضات ضريبية تبناها سلفه جورج بوش. وهنا يبرز الفرق بشكل كبير بين التركيز على الإنفاق الجاري، سواء من خلال التحويلات النقدية المباشرة أو من خلال التخفيضات الضريبية، أو استخدام ذلك في الإنفاق على مشاريع البنية التحتية. ساكس وأنصاره، يرون أن المواطنين عندما يستلمون هذه التحويلات من الحكومة، سواءً كانت نقدية أو كانت في شكل تخفيضات ضريبية، فإنهم في الغالب يستخدمون ذلك في تخفيض ديونهم وليس في زيادة الاستهلاك، خصوصاً خلال فترة الأزمات؛ ما يعني أن مضاعف الإنفاق في هذه الحالة أقل من الواحد. وهو بذلك يدحض الفكرة التي تبناها داعمو سياسة التحفيز المالي بأنها ستعزز النمو، وستخرج الاقتصاد من حالة الأزمة التي تعيشها، ومن ثم سيزداد التوظف، وعليه سيزداد الاستهلاك. جيفري ساكس يتهم كروجمان وأنصاره بأنهم كينزيون بسطاء، وأن كينز نفسه كان قلقاً من مراكمة الدين العام على المدى الطويل. لكن الواقع أن كينز كان يطالب بموازنة الميزانية على مدى الدورة الاقتصادية، بحيث يتم السماح بزيادة العجز في الميزانية خلال فترة التراجع، لكن في مقابل ذلك مراكمة الفوائض خلال فترة الانتعاش الاقتصادي. وبالتالي، فإن الوقت الحالي يستدعي زيادة الإنفاق لتعزيز النمو، لكن ليس بالتركيز على الإنفاق الجاري، بل بالتركيز على الإنفاق الاستثماري. خصوصاً في ظل عدم فاعلية السياسة النقدية حالياً حتى في ظل سياسة التيسير النقدي التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي.
إنشرها