Author

تأثير تراجع دور النفط سياسياً واقتصادياً

|
ما زال اقتصادنا يعتمد بشكل كبير على النفط كمصدر رئيس للدخل، وكممول للتنمية الاقتصادية على مر العقود الماضية، على الرغم من أن تقليل الاعتماد عليه هو إحدى الركائز والأهداف الرئيسة في خطط التنمية الاقتصادية. النفط حقق لنا الكثير من المكاسب التي لا يمكن لأي عاقل تجاهلها، وأسهم بشكل كبير في تحقيق المملكة مراتب متقدمة في مؤشرات التنمية الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء. النفط أيضاً حقق لنا مكاسب سياسية من خلال السياسة البترولية المتوازنة للمملكة، ما جعل للمملكة دورا سياسيا رياديا ومؤثرا في المنطقة. لكن النفط بطبيعته مصدر ناضب، وكذلك حال الدخل الناتج عنه، وكذلك التأثير السياسي المرافق لذلك. كل ذلك يدعونا إلى التفكير سواء على المستوى الشخصي الفردي، أو على المستوى الكلي، في تأثير تراجع دور النفط كمؤثر على المستوى المحلي من خلال تراجع مستوى الدخل، أو على المستوى الدولي، من خلال تحييد تأثيره في السياسة الدولية. عوامل عدة تدعونا إلى التفكير بشكل استراتيجي حول تأثير تراجع دور النفط في الاقتصاد والسياسة العالمية. قد لا يكون هذا التراجع قريبا على المدى المتوسط، لكنه حتمي على المدى الطويل، ما يتطلب التفكير في كيفية الاستفادة من الفرص الحالية لتعزيز المكاسب على المدى الطويل. الجهود الكبيرة التي تقوم بها الدول الكبرى في العالم لتحقيق هذا الهدف - لتقليل أو تحجيم دور النفط - كبيرة جداً. هناك استثمارات كبيرة في الطاقة المتجددة وحوافز استثمارية سواء في شكل إعانات أو في شكل إعفاءات ضريبية تقدم لهذه الاستثمارات. هناك أيضاً استثمارات كبيرة في التقنيات المختلفة لاستخراج النفط التي أدت إلى إمكانية استخراج النفط والغاز الصخري. تقنية التكسير الهيدروليكي وتقنيات الاستخراج في البحار العميقة أسهمت في زيادة إمكانات الإنتاج لدول أمريكا الشمالية والجنوبية، وهي بدأت تحقق أهدافها من خلال زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط، ما سيمكنها من تقليل اعتمادها على النفط المستورد. هذا الأمر لم يأتِ من فراغ، لكنه يأتي أيضاً في إطار سياسة معلنة وصريحة من قبل الإدارة الأمريكية لتحقيق الاعتماد الذاتي من الطاقة، وتقليل الاعتماد على نفط الشرق الأوسط. الولايات المتحدة الآن تعتمد بشكل متزايد على النفط المنتج بالداخل، وهي الآن مستقلة فيما يتعلق باستهلاك الفحم والغاز، حيث يمثل الغاز الصخري ما نسبته 40 في المائة من إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي وما نسبته 10 في المائة من استهلاكها الإجمالي من الطاقة. تستورد الولايات المتحدة حالياً ما نسبته 42 من احتياجاتها من الطاقة، ويتوقع انخفاض هذه النسبة مع ازدياد اعتمادها على الغاز الصخري، الذي يتوقع أن يحل محل النفط كأكبر مصدر للطاقة في الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، يتوقع استمرار الزيادة في إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الصخري بشكل مطرد خلال السنوات المقبلة، ما سيخفض فاتورة الاستيراد النفطي لديها بما يقارب 75 مليار دولار سنوياً. ونتيجة لهذه التطورات، تشير توقعات وكالة الطاقة الدولية إلى انخفاض واردات الولايات المتحدة من النفط إلى أربعة ملايين برميل يومياً من عشرة ملايين برميل يومياً حالياً، وهي تستورد حالياً ما نسبته 12 في المائة فقط من احتياجاتها من النفط من دول الخليج. هناك أيضاً جهود مماثلة لدول أخرى تسعى إلى تنويع مزيج الطاقة لديها بالاعتماد بشكل أقل على مصادر الطاقة النفطية والتحول إلى مصادر الطاقة النظيفة، أو المتجددة. الإمكانات التصديرية لدول الخليج والمملكة بشكل أساسي تتراجع بشكل ملحوظ ومقلق بالنظر إلى التزايد المطرد في الاستهلاك المحلي. المملكة تستهلك حالياً ما يقارب أربعة ملايين برميل يومياً، وإذا ما استمر تزايد الاستهلاك بالمعدلات نفسها، فسيؤدي ذلك إلى الحد من القدرة التصديرية للمملكة. كل ذلك له تبعات كبيرة كما أشرت، سواء على المستوى الاقتصادي، أو على مستوى العلاقات الدولية، والمصالح الاستراتيجية للمملكة مع الدول الكبرى. كيف ستؤثر سياسات الطاقة الدولية في موقع المملكة ودول الخليج كبؤرة لاهتمام السياسة الدولية، وما المدى الذي ستؤول إليه علاقات هذه الدول مع الدول الكبرى والولايات المتحدة بالتحديد، وما مدى إمكانية تأثير زيادة إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة في رغبتها في الحفاظ على مصالح وعلاقات مستمرة ومتميزة مع دول المنطقة، أسئلة سنحاول الإجابة عنها في الأسبوع المقبل.
إنشرها