Author

اليابان.. هل أفاق الساموراي؟

|
في الثمانينيات من القرن الماضي، كانت اليابان أكثر قوة اقتصادية تقلق الولايات المتحدة والعالم. قوة اقتصادية وإنتاجية وإبداعية غزت العالم بالكثير من الاختراعات والإنتاج المنافس للصناعات الغربية التقليدية الطابع. ضغوط اقتصادية شنتها الدول الغربية على اليابان من أجل تعديل وضع موازينها التجارية معها. هذه الضغوط اللامتناهية أدت إلى خضوع اليابان وتوقيعها اتفاقية بلازا والتي تحدد علاقة سعر الصرف بين الين الياباني والدولار الأمريكي. النتيجة ركود اقتصادي وخسارة كبيرة لتنافسية اليابان امتدت إلى اليوم. وبعد أكثر من عقدين من الركود الاقتصادي، وتجربة الكثير من السياسات الاقتصادية للخروج من هذا الركود، خرج رئيس الوزراء الياباني شينزو أبي إلى العالم بتوجه جديد يتضمن حزمة تحفيز اقتصادي تتكون من ثلاثة عناصر رئيسة: حزمة تحفيز مالي، سياسة نقدية جديدة تتمثل في معدل تضخم مستهدف أعلى من السابق، وأخيراً سياسات إصلاح هيكلي. بحزمة تحفيز اقتصادي تتجاوز الـ 114 مليار دولار أمريكي، سيكون وضع الدين العام حرجاً بالنسبة لليابان. لكن رئيس الوزراء الياباني يطمح إلى أن يعالج النمو هذا الوضع من خلال سياسة تحفيز نقدي أخرى ورفع لمعدل التضخم المستهدف من 1 إلى 2 في المائة. وأخيراً، ستقوم الحكومة اليابانية أيضاً بحزمة إصلاح هيكلي تتضمن إصلاحات ضريبية يتوقع أن تولد دخلاً سيسهم في تخفيف الدين العام. منهج ياباني جديد، ورغبة جامحة وقوية في الخروج من رحم أزمتها التي استمرت لفترة طويلة. لكن تنفيذ هذه السياسة لن يمر دون تأثيرات جانبية في الجار الآسيوي الكبير الصين، أو العملاق الاقتصادي الناشئ في كوريا، أو غيرها من الدول الآسيوية الأخرى. المشاعر التي يحملها الآسيويون هي مزيج من الترقب والقلق من هذه السياسة التي سيكون لها تأثير سواءً من خلال انخفاض أسعار الصرف، أو من خلال القنوات المالية المختلفة للمصارف في آسيا، مما قد يكرر مشهداً حدث في نهاية التسعينيات الميلادية عندما مولت البنوك اليابانية عملية الإقراض قصيرة الأجل التي أدت إلى انهيار عدد من الاقتصادات في آسيا. القلق من هذه السياسة أعاد إشعال الخطاب المتعلق بحرب العملات مرة أخرى، خصوصاً من قبل دول الاقتصادات الصاعدة. بل إن ما يحدث حالياً في أسواق سعر الصرف يدل على أن ردود فعل مختلفة بدأت في اتجاه إعادة ترتيب الأوراق. سياسة التحفيز النقدي التي اتبعتها اليابان أدت إلى انخفاض سعر الين الياباني بمعدل 16 في المائة، وهو ما سيعد بتحسن وضع الصادرات اليابانية، وتعزيز نمو الاقتصاد. بالطبع وكما أشرت فإن ذلك سيكون على حساب تنافسية دول أخرى وبالتحديد الصين وكوريا الجنوبية. ردت الفعل الصينية بدأت الأسبوع الماضي عندما ضخ البنك المركزي الصيني ما يتجاوز الـ 70 مليار دولار في يوم واحد في أسواق الصرف للحد من ارتفاع سعر صرف اليوان الصيني الذي بلغ أقل مستوى له الأسبوع الماضي. الكل يحاول رمي الكرة في مرمى الآخر، وفي النهاية ليس المهم سعر الصرف في حد ذاته، ولكن ما يجلبه سعر الصرف من فوائد تتمثل في الدرجة الأولى في ترجيح كفة الميزان التجاري للدول. بمعنى آخر عودة للحديث مرة أخرى عن الحمائية، وعن مدى كفاية السياسات التجارية التي تنظم التجارة الدولية في وضع الممارسات التجارية للدول في إطار قانوني، دون أن يكون هناك إطار واضح ينظم إدارة سعر الصرف وعلاقتها بالتجارة. بالطبع هذا الأمر يخضع لاتفاقية صندوق النقد الدولي التي تعطي الحق لكل دولة في اختيار سعر الصرف الملائم لها، لكنها كما ذكرت لا تغطي الجانب الأخير المتعلق بعلاقة سياسة سعر الصرف بالتجارة الدولية. التعديلات الأخيرة على مهمة الرقابة في الصندوق ستعطي مجالاً (على الرغم من محدوديته) للصندوق للتوسع في هذا الأمر من خلال اختبار تأثيرات السياسات التي تتبعها الدول على الدول الأخرى، بما في ذلك سياسة إدارة سعر الصرف. التساؤلات كثيرة حول مدى إمكانية نجاح السياسة التي تتبعها اليابان حالياً. البعض قلق من تأثيراتها في الاقتصاد الياباني من خلال زيادة أعباء الدين العام، والبعض الآخر قلق من إضعاف استقلالية البنك المركزي، وآخرون قلقون من خروج معدلات التضخم عن القدرة على التحكم فيه. لكن النقطة التي يتفق عليها الجميع هي أن لكل دول العالم مصلحة في اقتصاد ياباني قوي. نحن كذلك في المملكة، ومن ناحية استراتيجية لدينا مصلحة كبرى في اقتصاد ياباني وآسيوي قوي.
إنشرها