المقالات

«كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة»

«كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة»

راقب العالم شجاعة إخواننا في غزة في مواجهة دولة الاحتلال بجبروتها وقصفها وقتلها الذي استخدمت فيه أحدث الصواريخ التي تحملها أحدث الطائرات. وقفوا بإمكانات تنحصر في صواريخ يسخر منها كثير من العرب ـــ وبعضهم ممن نراهم مثقفين، ويسمع كلامهم المواطن ويقرأ آراءهم، التي تنذر بالفناء والخيبة والخسران لكل محاولة عربية لاستعادة كرامة الأمة، سواء أعلن ذلك أم لم يعلنه. يقف كل واحد منا اليوم على مفترق طرق فإما أن تكون مع ''حماس'' أو تكون مع إسرائيل، لا مكان لأنصاف الحلول. عندما بدأت المعركة لم يعد من حق أحد أن يقف على الحياد أو يبقى مراقباً حتى يعرف من ينتصر، ليس من حق أحد أن يقول هدف ''حماس'' فاسد أو يندد بفصائل المقاومة الفلسطينية. عندما بدأت المعركة كان لا بد أن يصطف الجميع في الصف نفسه، فلا يأتي أحد ليقول أنا مع الحق الفلسطيني ولكني ضد حماس، لأن حماس والفصائل هم المدافعون عن هذا الحق. هذه هي طبيعة الأمور، قد نختلف مع حماس في الرؤية أو المنهجية أو الأهداف. لكن حق الاختلاف انتهى عندما ضرب أول صاروخ إسرائيلي أرضاً فلسطينية عربية تحاول أن تستيقظ من سبات الخذلان لتقف في وجه جبروت العدو وطغيانه. قد تكون منظمة التحرير والرئاسة في الضفة أكبر أعداء ''حماس''، لكن هذا كان بالأمس قبل أن تدق الحرب نواقيسها ويسقط أول جريح وليس أول شهيد. لا يستطيع عباس إلا أن يقف في صف ''حماس''. يأتي البعض من كتابنا اليوم ليقلل من قيمة إنجاز المقاومة الفلسطينية، وعيوب وأخطاء ''حماس'' ومثالب قادتها، وكأنه مبرأ من كل عيب. يتحدث وهو يتابع الأحداث من خلال شاشة مسطحة يتجاوز مقاسها الخمسين بوصة. يكتب وهو يحتسي الشاي والقهوة ليعدل مزاجه ويخرج للقارئ درره الموبوءة بالهزيمة النفسية. يحاور وخدمه يقفون بين يديه، كل منهم يريد أن يحظى بخدمته. قد يكتب وهو يمتطي سيارته الفارهة أو في قصره الفخم. ينتقد رجالاً وضعوا أرواحهم وأرواح أسرهم تحت ـــ رحمة الله. فهل هذا بالله عليكم أحرص على الفلسطينيين من آبائهم وإخوانهم وعشيرتهم؟ إن هو إلا مثبط يصدق عليه قول الله تعالى: (قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده)، وينطبق على مجاهدي فلسطين قوله تعالى: (قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله). بدأت الهزيمة الإسرائيلية عندما استدعت مصر سفيرها لدى دولة الاحتلال، ثم توجه رئيس وزراء مصر لدعم المقاومة في غزة، استمر الدعم بزيارة وزير خارجية تونس، ثم طالب العرب ـــ كل العرب ـــ أن يعقد اجتماع وزراء خارجية دولهم الطارئ في غزة، فتوجه الوزراء وعلى رأسهم الأمين العام إلى غزة. ألا يرى هؤلاء المثبطون أن الوضع اختلف؟ موقف مصر تغير وهي قائدة العالم العربي ومع تطور هذا الموقف، أصبحت إسرائيل أول الباحثين عن مخرج من هذه الأزمة. هدف هذه الحرب ليس الهزيمة العسكرية، وإنما الأهم ـــ والذي حققته المقاومة ـــ هو الهزيمة السياسية والمعنوية للاحتلال الذي كان يسعد بتفرقنا واختلافنا. أدوات الضغط العربية متوافرة وكثيرة وتنقصها النيات الحسنة فقط. تنقصها الشجاعة والقدرة على قول كلمة ''لا'' لأولئك الذين أملوا علينا مواقفنا لعشرات السنين. خلال زمن مضى كان المثبطون يسودون في العالم العربي، وها قد جاء الوقت الذي لا بد أن يسكت كل من يحاول أن يُجرِّم أي محاولة للتخلص من قيد الاحتلال والانعتاق من أغلاله التي كتمت الأنفاس. اليوم تبدأ حقبة الانتصارات والخلاص من الاحتلال المعنوي بداية، ومن ثم استرجاع الحق الفلسطيني. حقق وقوف العرب جميعا في صف واحد، بداية البحث الصهيوني عن مخرج من هذه المغامرة الرعناء، وعودة ''حماس'' إلى أمتها العربية أثبت موقفها من العدوان البعثي الإيراني على الشعب العربي السوري. لنسترجع كل أبنائنا إلى حضن أمتهم لأنهم هم الذين سيحررون الأرض الفلسطينية. لعل من المناسب أن أعيد مقولة للملك عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ، عندما طالب العرب بدعم وتسليح الشعب الفلسطيني ليقاوم الاحتلال، ذلك أن إسرائيل هي كيان مبني على نبوءات تدعمها أغلب دول الغرب. إضافة إلى أن هذه الدولة صغيرة المساحة ـــ جغرافياً ـــ تسيطر على مراكز القرار الدولي من خلال ضغط المنظمات التي تدعمها على مفاصل الاقتصاد والسياسة والإعلام العالمي. شاهد كل من تابع الانتخابات الأمريكية محاولات المرشَّحَين إرضاء إسرائيل برسائل علنية وواضحة. كما أن كل رؤساء الاتحاد الأوروبي وقفوا مع إسرائيل ويدعمونها بشكل علني، وها هي وقفتنا السياسية المعنوية الواضحة مع الحق الفلسطيني تحقق ثمارها خلال مدة لم تتجاوز ثمانية أيام. المؤلم ، أن كل من ناوش وتهجم وأخطأ في حق ''حماس'' والفصائل التي تقاوم الاحتلال اليوم، ليست لديه رؤية منطقية يمكن من خلالها أن يستعيد الشعب الفلسطيني حقوقه من هذا الكيان الذي يقفل المعابر وقت شاء ويقوم بالغارات في الوقت الذي يناسبه، بل ويسرق كميات الغاز التي تقع ضمن حدود غزة وتقدر قيمتها بأكثر من 17 مليار دولار. أنصح كل مَن لا يحمل السلاح في وجه العدو ألا يحمل القلم في وجه الحق العربي، وألا يتلفظ بسوء على مَن يقفون هناك في جبهات القتل. لنفرح جميعاً بهذا الإنجاز ولنبدأ الإعداد لمستقبل مختلف تماماً، يحمل في طياته المزيد من الانتصارات والانكفاء للعدو الصهيوني، وإعادة توجيه بوصلة علاقاتنا الدولية إلى ما يحمي مصالحنا وليس مصالح الآخرين.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المقالات