جدل اقتصادي حول جدوى إقامة مفاعلات نووية في المملكة

جدل اقتصادي حول جدوى إقامة مفاعلات نووية في المملكة

في الوقت الذي تسعى فيه المملكة إلى تفعيل مصادر بديلة للطاقة للحد من الاستهلاك المحلي المفرط للنفط، تباينت آراء عدد من الاقتصاديين حول جدوى إقامة مفاعلات نووية في المملكة كمصدر بديل لإنتاج الطاقة الكهربائية التي تسجل نموا متسارعا في المملكة يقدر بـ 10 في المائة سنويا، وهذه تعد نسبة عالية عالمياً مقارنة بالكتلة السكانية والمناطق الصناعية، ما يدخل الاقتصاد السعودي مرحلة حرجة خلال العقود القادمة. وأوضح الاقتصاديون أن إقامة مفاعلات نووية في المملكة مطلب رئيسي حفاظا على مصادر الطاقة الأحفورية "النفط " من الاستهلاك والإهدار المحلي المفرط الذي يؤدي إلى استهلاك كل ما تنتجه المملكة من النفط خلال العقود المقبلة. وأشار المختصون إلى توجه بعض الدول العربية إلى إقامة مفاعلات نووية كالإمارات والأردن ليرتفع عدد المفاعلات النووية إلى أكثر من 351 مفاعلا نوويا، فيما حذر اقتصاديون آخرون من الكوارث الإنسانية التي قد تنتج عن أي خلل في المفاعلات النووية في ظل عدم وجود كوادر وطنية مؤهلة وتقنية حديثة، إضافة إلى التكلفة الباهظة غير المجدية مقارنة بمصادر أخرى آمنة. وكان تقرير اقتصادي صدر أخيراً عن المعهد الملكي البريطاني للدراسات الاستراتيجية قد أكد أن المملكة تسجل ارتفاعا كبيرا في الاستهلاك المحلي للنفط بلغ 7 في المائة سنويا ما سيفقدها مكانتها الإنتاجية في العالم، إضافة إلى تأثير ذلك في الأسواق العالمية والاتفاقيات الدولية للمملكة، وأوضح التقرير أن استمرار المملكة على نفس الوتيرة الاستهلاكية سيحدث تغييرا كليا في اقتصاد المملكة عام 2038 ، بمعنى أن المملكة ستوجه جميع الإنتاج البترولي للاستهلاك المحلي وسد الطلب المحلي، في ظل غياب السياسات والاستراتيجيات التوعية والاستهلاكية في المملكة وعدم وجود مصادر بديلة للطاقة. وقال محمد شمس المدير التنفيذي لمركز الاستشارات الاقتصادية إن المملكة لا تحتاج إلى مفاعلات نووية، خاصة أنها تمتلك بدائل رئيسية تكفيها لعقود طويلة قادمة، حيث تمتلك المملكة 265 مليار برميل من النفط كمخزون احتياطي و260 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، إضافة إلى الطاقة الشمسية التي تتمتع بها الجزيرة العربية. وأضاف شمس أن إقامة مفاعلات نووية في المملكة غير مجد لارتفاع تكلفة إنشائها والتي تحتاج إلى مليارات الدولارات التي تفوق حجم العائد الفعلي من إنشائها، وذلك في ظل امتلاك المملكة كميات ضخمة من المصادر الرئيسية للطاقة وهي البترول والغاز، وتحتل الصدارة عالميا في احتياطيات النفط والدرجة الرابعة في الغاز الطبيعي، إضافة إلى الخطورة التي تحوم حول إقامة هذه المفاعلات من الكوارث البيئة والإنسانية التي تسببها، مشيراً إلى الكوارث الضخمة التي حدثت في الدول المستخدمة للمفاعلات النووية كانفجار مفاعل تشيرنوبل في الولايات المتحدة عام 1987 الذي أحدث كارثة إنسانية، وانفجار بنلفاسيا وأخيرا انفجار محطة فوكوشيما في اليابان التي أحدثت أضرارا جسيمة على البيئة وعلى الجنس البشري والحيواني قد تستمر لسنوات وربما لأجيال. وقال إن الانفجارات الثلاثة التي حدثت كانت في دول متقدمة تمتلك إمكانيات تقنية وتكنولوجية متقدمة، إلا أنها لم تستطع أن تسيطر على الانفجارات والانعكاسات السلبية الناتجة عنها، فكيف بإقامة مفاعلات في دول ناشئة لا تمتلك التقنية العالية لإدارتها. ويتساءل شمس عن سبب إنفاق مليارات الريالات لمصدر مكلف جدا وعلى درجة عالية من الفنية ويحتاج إلى الصيانة وإلى طاقم فني ضخم من الخارج لعدم وجود كوادر مؤهلة، وأضاف أن إقامة المفاعلات النووية أمر مجد نسبيا للدول التي لا تمتلك مصادر طاقة طبيعية كافية كأوروبا والولايات المتحدة، والتي تمتلك القدرات الفنية والتقنية العالية لإقامة مفاعلات نووية تساعدها على إنتاج الطاقة البديلة التي قد تغطي قدرا بسيطا من استهلاك الكهرباء، وأشار إلى أن اليابان بعد كارثة فوكوشيما أخذت تعيد النظر بالحد من إقامة مفاعلات نووية، وهي بلد ذات خبرة في هذا المجال ودولة صناعية تحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة. وقال شمس إن العالم سيعتمد على البترول كمصدر أول للطاقة لخمسة عقود قادمة على التوالي، وإن الطلب على البترول سيزداد بشكل كبير خلال العقود القادمة لعدم وجود بديل فعلي يحل محل النفط، حيث ما زالت مصادر الطاقة البديلة مكلفة مقارنة مع فوائدها المرجوة، مستدلا على ذلك بارتفاع الطلب على النفط رغم ارتفاع أسعاره ما يؤكد أن زيادة الطلب على البترول لا يكترث بالسعر، حيث ارتفع الطلب من 56 مليار برميل يوميا عام 1973 إلى 87 مليار برميل 2012، إضافة إلى استمرار كثير من الدول الصناعية كأوروبا والولايات المتحدة والهند والصين في التنقيب عن البترول بشكل مستمر، كما فشلت كثير من الدول المتقدمة في محاولات لإيجاد مصادر بديلة عن النفط لإنتاج الطاقة كالولايات المتحدة عند استخدامها للقمح والبرازيل عند استخدامها لطنجر السكر، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير، وأثر في المواد الغذائية اللازمة للإنتاج الحيواني لاعتمادها على مصدر رئيسي، ودعا شمس إلى استخدام بعض مصادر الطاقة البديلة كالطاقة الشمسية إذ إن الطبيعة البيئية للمملكة تشير إلى وجود طاقة شمسية كبيرة. من جهته اعتبر الدكتور عبد الملك الجنيدي عميد كلية الهندسة في جامعة الملك عبد العزيز أن المملكة في حاجة إلى إقامة مفاعلات نووية حفاظا على مصادر الطاقة الأحفورية "النفط" في المملكة من الطلب المتنامي على الطاقة الكهربائية محليا، حيث تشهد المملكة نموا كبيرا باستهلاك الطاقة الكهربائية يقدر بـ 10 في المائة سنويا وهي نسبة عالية دوليا مقارنة بالكتلة السكنية والمناطق الصناعية فيها، ما يؤثر بشكل سلبي في مصادر النفط في المملكة ويدخل الاقتصاد السعودي في مرحلة حرجة باستهلاك كل ما يتم إنتاجه من النفط مستقبلا لعدم وجود مصدر بديل. وأوضح الجنيدي أن المملكة تحتاج فعلياً إلى إقامة 16 مفاعلا نوويا على مدى عشرين عاما بخطوات متفرقة لتغطية ما يزيد على 20 في المائة من الكهرباء، وأكد أن تكلفة هذه المفاعلات تعد الأرخص عالميا مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى، ولكن هذا بخلاف ماهو لدى المملكة حيث إن انخفاض سعر البترول داخليا يجعل الطاقة الكهربائية الناتجة عن النفط أرخص بشكل كبير من إنتاجها بالمصادر البديلة الأخرى، حيث يباع البترول داخليا بأسعار مفاضلة وهو ما يسمى إهدارا للطاقة والإسراف في استخدام البترول، خاصة مع توافر البديل كالمفاعلات النووية والطاقة الشمسية، مبينا أن البترول يعتبر مصدر الدخل الرئيسي للمملكة ولابد من المحافظة عليه وعدم إهداره، وتسخيره للاستخدامات النافعة للمملكة. وحول الكوادر الوظيفية المؤهلة أشار الجنيدي إلى أن المملكة تستطيع أن تؤهل الشباب السعودي للعمل في المفاعلات النووية عبر استقطاب كوادر تدريبية عالية بهذا الشأن لتدريبهم وتوظيفهم تدريجيا، حيث تمر المملكة بطفرة اقتصادية وعوائد مالية كبيرة تستطيع الاستفادة منها بتفعيل مصادر الطاقة البديلة ومواكبة الاقتصاديات العالمية. وأكد عدم إمكانية السير خلف توجهات العالم والابتعاد عن إنتاج مصادر الطاقة البديلة بحجج غير مقنعة، كما أن زيادة الاعتماد على النفط يدخل الاقتصاد الوطني في مرحلة حرجة، وأشار إلى عزم الإمارات والأردن إلى إقامة مفاعلات نووية على أراضيها حفاظا على النفط من الاستهلاك المسرف، وهي دول أقل إنتاجا وإمكانية من المملكة لكنها تسير وفق توجهات العالم. وحول الأضرار والكوارث المترتبة على تشغيل المفاعلات النووية اعتبر الجنيدي أن الأمان التشغيلي لهذه المفاعلات في الوقت الحالي ممتاز، إذ إن التصاميم الهندسية المعتمدة بما في ذلك الأمان التشغيلي توفر جميع عوامل السلامة البيئية والجغرافية من الكوارث الطبيعية، وأوضح أن عدد المفاعلات النووية في العالم كبير يفوق 351 مفاعلا نوويا ويحدث ذلك كوارث كبيرة، كما أن حادثة انفجار فوكوشيما في اليابان كان ناتجاً من تسونامي وهزات أرضية عنيفة واستطاعت اليابان السيطرة عليه، إضافة إلى عزم إيطاليا العودة إلى إقامة مفاعلات نووية بعد أن تخلصت منها بسبب كارثة تشيرنوبل، وذلك لارتفاع أسعار النفط والتزام أوروبا بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وأضاف أن أنظمة الأمان التشغيلية في المفاعلات النووية متطورة وتعمل على مراحل وقادرة على إيقافها عند حدوث أي خلل، لافتا إلى التوجه العالمي إلى إقامة مفاعلات نووية قادرة على توليد الكهرباء بشكل مستمر وعلى مدار الساعة بشكل يتناسب مع متطلبات العصر، مشيراً إلى أن ثمة استراتيجيات تراعي أماكن إقامة المفاعلات النووية في أماكن غير زلزالية وغير معرضة للكوارث الطبيعية، موضحا أن المملكة تمتلك طبيعة جغرافية جيدة ويتوافر في بعض مناطقها جميع المؤهلات لإقامة المفاعلات النووية كالمنطقة الشرقية ومنطقة مكة المكرمة، حيث لم يتم رصد أي هزات أرضية في تلك المناطق منذ عشرات السنين، إضافة إلى قربها من منفذ المياه التي تحتاج إليها لتبريد المفاعلات النووية، وأكد أن المملكة أمام تحد كبير لتوفير مصادر بديلة للطاقة تتصدرها المفاعلات النووية. كما اعتبر الجنيدي أن إقامة مفاعلات نووية سليمة في المملكة يعزز توجه حكومة خادم الحرمين الشريفين بالتوجه لإنتاج مصادر الطاقة البديلة بإنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية المتجددة، لخفض الطلب المحلي على النفط والحفاظ عليه كمصدر دخل للمملكة، مبينا أن المملكة تسعى حالياً إلى تطوير كثير من الاستراتيجيات التي يمكنها أن تعتمد على المصادر البديلة للطاقة للحد من استهلاك النفط، خاصة في القطاعات التي تستولي على أكبر نصيب في استهلاك الطاقة "الكهرباء والمواصلات"، حيث تستطيع المفاعلات النووية توليد طاقة كهربائية على مدار 24 ساعة للقطارات عوضا عن المركبات التي تعتمد على الوقود.
إنشرها

أضف تعليق