Author

«إن اللهَ لا يلعبُ بالنرد»

|
.. أعجبني جداً ما جاء من فتيات جامعيات أطلقن على أنفسهن فريق الرواق المعرفي بالمدينة المنوّرة. دفعني سؤالهن إلى ترسيخ اعتقادي بأن طلائعنا الشابة تتطلع للمعرفة بكل أنواعها، فهذا ثاني سؤال يأتيني بعد طلبة متوسطة الظهران الأهلية، وفي الجعبة أسئلة من مجموعات وأفراد سأعالجها في حينها، على أني أفضل الأسئلة الجماعية لأنها تنمي روح الفريق المعرفية، والزمالة المبنية على الرقي الفكري في سنٍّ غضة.. وأرجو أن أخصّص مقالاً أسبوعياً أو كل أسبوعين للإجابة عن الأسئلة، فلا تترددوا واسألوا ما عنّ لكم، وأعتذر عن الأسئلة الشرعية لأنها تتطلب معرفة دقيقة لا أستطيع الخوض فيها. ولو احتجت للمساعدة في أي علم فلن يقصر علماء البلاد فهم مستعدون للمساعدة. وربما يتطور إلى برنامج كامل .. مَن يدري؟ تسأل فتيات الرواق المعرفي بالمدينة: "نريد معرفة ثقافية أكثر مما يتكلم عنه العلم الفيزيائي من ناحية نظرية فلسفية ولا ندرسه الآن على الأقل.. نريد أن نفهم معنى ووظيفة نظرية الكوانتم Quantum theory". طيب استأذنكم أن أتحدث عن الفيزياء الكونية بشكل عام، وسندخل تلقائياً في نظرية الكوانتم، وتسمى بالعربية إن كانت ترجمتي صحيحة (مبدأ ذرية الطاقة)، أو "الكمية". ماذا عن طبيعة هذا الكون، طبيعة أجسادنا، طبيعة أدمغتنا، وعلاقة كل تلك ببعضها؟ هذا ما تجيب عنه نظرية الكوانتم بأن كل الأشياء المادية على إطلاقها من الطائرة وراحة يدك إلى ورقة الرسم إلى ورقة النقد التي تشترون بها تتكون كلها بلا استثناء من ذرات، وتلك الذرات المتناهية الصغر تتكون بدورها من جُسيمات تحت ذرية، والتي هي بدورها ترددات من الطاقة والمعلومات. إننا نحتاج بالطبع إلى عالم متخصّص للخوض في تفاصيل هذا العلم البالغ التعقيد، والذي يتخصّص فيه القليلون من ذوي العقول الجبارة في الحساب والرياضة والفلك والفيزياء، ولكننا اتفقنا أن نتكلم في الطابع الثقافي العام كما أشرتنَّ بدقة، وبالتالي لا يمكن أن يعتبر المقال هذا مرجعاً علميا أو دراسياً بأي حال، بل محاولة للمعرفة لناس عاديين، فمَن كتبه هو شخص عادي ما أوتي من العلم إلا قليلا. نعود إلى هذا العلم الذي أسميه خطيراً بدقةٍ عظيمة، إنه يعيد تركيب أفكارنا للمادة، ومن العلماء من قال إنه ينسف ما عرفناه عن المادة، فهذا العلم الصعب البالغ التعقيد النظري العقلي، يقول إن العالم كله حقيقة وعلمياً ليس مادياً؛ يعني أن الخامة الأصلية إذا فككناها لنهايتها وجدناها غير مادية، فالذرة تبدو مادة، وجسيمات ما تحت الذرة وهي الأصل في البناء الكوني عبارة عن موجات كهربائية معلوماتية.. يعني فراغاً عظيماً من الكهرباء والمعلومات! طيب ما الإثبات المادي العلمي يا بنات الرواق، للناس العاديين أمثالنا؟ سأقول لكن: تعرفن جهاز الفاكسملي، وتعرفن المذياع (الراديو)، وتعرفن التلفزيون، وتعرفن الحواسيب.. صح؟ أكيد. لم يكن ممكناً لعلماء التقنية العصرية أن يتمكنوا من تحقيق هذه المنجزات التي غيّرت التواصل العالمي في العقود الأخيرة حتى جعلت الأرض متداخلة بلا مسافات ولا غربة حقيقية، لو اعتقدوا جزماً أن الذرة هويّة صلبة. فالذرة إذن ليست مادة صلبة (بحكم ما قلناه عن تفكيكها البنائي).. نعم، ليست بهوية صلبة على الإطلاق.. إن اكتشاف هذه الحقيقة المذهلة أعاد تركيب اكتشافات ومعرفة العلم عبر التاريخ للمادة وبسبب علم رياضي فيزيائي نظري بالغ التعقيد هو الفيزياء الكمية، أو نظرية الفيزياء الكمية. إن أينشتاين أذهلته هذه الحقيقة لما درس الزمن بتناسب الزمن والحجم في الكون وفي التركيب الأولي للمادة، وعاد للإيمان بالخالق العظيم عندما قال مدهوشاً متأملا: "صحيح، إن اللهَ لا يلعب بالنرد". وربما تسألن: إن كانت هذه هي التركيبة البنائية فكيف تختلف العناصر، فهناك بشر ومعادن، ومعادن مختلفة كالحديد والذهب مثلاً؟، والجواب أن الاختلاف الناشئ بينهم ناتجٌ ليس ماديا، بل من تلك الجسيمات تحت الذرية التي منها الكوارك والبوسونز، والبروتون، والإلكترون عندما تأتي في تصافات وترتيبات مختلفة لتكون الحديد أو الذهب أو .. أنتُن! إنها المعجزة الإلهية التي نكتشف أعجاز إعجازاتها اللانهائية، والتي تكرس صغر قيمة الإنسان ماديا، وإن عظمته إنما بالروح والسمو المعرفي والإيماني. ولكنّ الشكر.
إنشرها