Author

حتى «أرامكو السعودية» في حاجة إلى تعاونكم .. يا إعلام (2)

|
المجتمع كله في حاجة إلى إعلام محترف يعي حقيقة الكارثة الاقتصادية التي ستقع خلال المستقبل القريب جدا بسبب تزايد استهلاكنا المحلي لموارد الطاقة كافة وليس الكهرباء فحسب. فاقتصادنا ينزف بشدة بسبب دعم الدولة لأسعار الطاقة بمعدلات غير مبررة على الإطلاق، لأنه أصبح من الواضح أن أكثر المستفيدين من ذاك الدعم هم ذوو الدخل الأعلى من أفراد وتجار وصناعيين. ولعلي أذكر معلومة قد تهم ''طويلي العمر'' بأن المملكة كانت تعد من أكبر مصدري الغاز البترولي المسال في العالم قبل أكثر من ثلاثة عقود. وبسبب الدعم الزائد عن حده أصبحنا نستهلك كامل الإنتاج في زمن قياسي. الدعم مطلوب وضروري جدا للنهوض بالصناعة الوطنية، لكن أشير هنا إلى الدعم الزائد الذي حد من التوسع الصناعي في المملكة بشكل مجحف. كيف؟ الدعم مطلوب لـ ''النهوض'' بالصناعة المحلية لا ليتصدر المستفيدون من الدعم قائمة أثرياء العالم. فهناك الكثير من الشباب المبادرين والعصاميين يريدون الدخول في عالم الصناعة والأعمال لكن عدم توافر الغاز (والكهرباء) يعد عائقا رئيسيا لاستثمار مدخراتهم. فبالرغم من الإعلان عن اكتشاف حقول جديدة للغاز بكميات تجارية في المملكة إلا أن تكلفة استخراج الغاز تراوح بين 4.7 و8 أضعاف السعر المباع للمستهلك الصناعي!! هذه الحقيقة تعد عائقا استثماريا لا يستهان به لاستخراج الغاز وتوزيعه. فهل المطلوب من ''أرامكو السعودية'' أو من الدولة أن تتحمل الفرق؟ أم ما زال الأثرياء يصرون ''ما حنا بأغنى من الدولة''؟ كان من الأجدى أن يتم تحديد آلية أكثر رشدا لدعم الصناعة الوطنية وذلك بتقديم أسعار مخفضة للغاز عند بداية تشغيل المشاريع الصناعية لكن لمدة محدودة تكفي لأن تحقق تلك المشاريع اكتفاء ذاتيا. بعدها يتم رفع الدعم تدريجيا إلى أن يلتزم ملاك المشاريع بتغطية تكاليف استخراج الغاز إضافة إلى هامش ربحي يحفز مستثمري قطاع الغاز لاكتشاف واستخراج المزيد. فتتوسع بالتالي دائرة الصناعة الوطنية من خلال دخول المزيد من الأفراد إلى فئة الصناعة والأعمال وتوفير البنية التحتية والمناخ المناسبين. لكن لا بد من إحياء ما نفقده من ثقافة التكامل وحس التضامن خاصة بين كبار مستهلكي الصناعة والتجارة من الأجيال السابقة. فهم الأكثر رفضا لأي توجه نحو تعديل الوضع التكافلي في هيكلة تعرفة الطاقة. تصوروا حجم الاستثمارات وعدد الوظائف التي لم تر النور بسبب تحالفاتهم ضد أي توجه لإصلاح سياسة تسعير الطاقة المحلية. طبعا مسألة تحول المملكة من أكبر مصدري الغاز إلى أكبر مستهلكيه رغم خطورتها إلا أنها لم تحدث ضجة كبيرة لسببين، السبب الأول أن دخل صادرات النفط كان قادرا على تعويض الدخل من صادرات الغاز، وبالتالي لم تشكل تلك المسألة كارثة عويصة لاقتصاد المملكة. والسبب الآخر هو غياب الأدوات الإعلامية آنذاك التي كانت من المفترض أن تساهم في بناء ثقافة استهلاكية صحية خاصة للشرائح الصناعية. أما اليوم فنحن مقبلون على كارثة اقتصادية واجتماعية شاملة بسبب نمط استهلاكنا المحلي لموارد الطاقة وعلى رأسها النفط، المصدر الرئيس لدخل المملكة بلا منازع. وإن كان إعلام اليوم سلاحا ذا حدين نجد أن كلا الحدين موجهان للأطراف الأقل حيلة ما يؤخر تطبيق إصلاحات ضرورية لإنقاذ قطاع الطاقة عموما. مصدر القلق الحقيقي هم كبار المستهلكين من ذوي الدخل العالي. فمعدلات استهلاكهم ورفضهم توجهات إصلاح قطاع الطاقة من خلال قبول تسعيرة أكثر عدالة سيعرضان قطاعات النفط والغاز والكهرباء ومن ثم الاقتصاد الوطني ككل لانهيار حتمي. لذا نحن كمجتمع في حاجة ماسة إلى إعلام متزن ومحايد يعين الدولة على التعجيل بفطام كبار المستهلكين من كبار شخصيات وتجار وصناعيين وتثقيف هؤلاء بمخاطر تعطيل أو حتى تأخير تنفيذ إصلاحات عاجلة لقطاعات الطاقة. لا بد من توعيتهم بأن أي زيادة يدفعونها في قيمة الخدمة هي بمثابة استثمار آمن للحصول على خدمة أكثر موثوقية. والمهم من ذلك كله .. هي بمثابة استثمار في أمنهم.
إنشرها