Author

الكهرباء في حاجة إلى تعاونكم.. يا إعلام (1)

|
منذ فترة أردت التعقيب على بعض الأخبار والمقالات المتعلقة بقطاع الكهرباء لدينا في المملكة، إلى أن قرأت مقال الكاتب العكاظي القدير عبد الله خياط بعنوان ''المواطن لم يحتمل أكثر.. يا كهرباء!'' (''عكاظ'' عدد 3856 تاريخ 13/02/ 1433هـ). شعرت حين قراءة المقال بوجوب توضيح الكثير من الأمور للقارئ والمستهلك، لعل وعسى أن نتكاتف لإدراك بعض الثوابت والتحديات التي تواجه (وستواجه) قطاع الكهرباء. وقبل الخوض في أي تفصيل أو تحليل أريد أن يفهم القارئ الكريم أن موقف كاتب هذه الأسطر هو موقف الباحث المحايد والمراقب في الوقت ذاته لتطور (أو تدهور) صناعة الكهرباء بجميع عناصرها من صانعي سياسات ومستهلكين ومنتجين ومنظمين والسلسلة ليست بقصيرة. أريد التركيز في مقال اليوم على عنصر فاعل وخطير جدًّا في صناعة الكهرباء، وهو دور الإعلام، حيث تكمن أهمية دور الإعلام في تهيئة مستهلك الكهرباء ليتقبل أو يرفض توجهات وخطط تطوير صناعة الكهرباء، وذلك من خلال نشر معلومات وآراء عن قطاع الكهرباء عبر قنواتها. المشكلة أن تلك المعلومات ومقالات الرأي قد لا تصف حقيقة الظروف المحيطة بقطاع الكهرباء بدقة، ومن ثَمَّ يتم اختلاق تحديات مجتمعية أخرى تعطل خطط التطوير التي بنيت أصلاً على سوء فهم أو تحليل. فصانعو السياسة يهتمون برضا المستهلكين كافة قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بتطوير صناعة الكهرباء لضمان استمرارية التأييد الشعبي، لكن ـــ للأمانة ـــ الأمور معقدة جدًّا، حيث اتضح مع الأسف أن الكثير من المقتدرين ماليًّا من مستهلكي الصناعة والتجارة وذوي الدخل العالي هم أكثر من أسهموا في تباطؤ تطوير صناعة الكهرباء. وهناك شواهد كثيرة تدل على هذا الأمر، وربما من الأنسب ذكره هنا هو تذكير مستهلك الكهرباء بأن قرار تغيير هيكلة التعرفة في تشرين الأول (أكتوبر) 2000 بعد إقرارها عند تشغيل شركة الكهرباء في نيسان (أبريل) 2000 لم تخدم إلا ذوي الدخل العالي فقط! فقد تم تخفيض التعرفة ابتداء من الشريحة الثالثة من شرائح الاستهلاك السكني فما فوق، بينما غالبية مستهلكي القطاع السكني لم يتجاوز استهلاكهم الشريحتين الأوليين. وهذا هو القصد حسب ظني من مقولة رئيس شركة الكهرباء بضرورة ''تعديل الوضع التكافلي في هيكلة التعرفة''. بمعنى آخر يلزم إعادة توجيه الدعم بطريقة تخدم ذوي الدخل الأقل أكثر من ذوي الدخل الأعلى إن أردنا تحرير سوق الكهرباء مستقبلاً. فكما ذكر سابقًا في مقال ''قطاع الكهرباء في حاجة إلى أوامر ملكية (2).. (''الاقتصادية'' عدد 6407 تاريخ 23 جمادى الأولى 1432هـ)، فإن تقريرًا مشتركًا لمنظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية ومنظمة التعاون الاقتصادي والبنك الدولي مجتمعة تم تقديمه لقمة مجموعة العشرين في تورونتو في حزيران (يونيو) 2010، أشار إلى أن أكثر من استفاد من الدعم الحكومي للطاقة في الدول النامية هم أصحاب الدخل الأعلى. فإن 40 في المائة من السكان الأقل دخلاً من حيث توزيع الثروات لم يستفيدوا إلا من 15 ـــ 20 في المائة من مجموع دعم الطاقة في الدول النامية. ولو أجرينا بحثًا يكشف مدى استفادة ذوي الدخل الأعلى من الدعم الحكومي في المملكة وحدها فسنرى العجب. أذكر في حديث خاص مع فرد من ذوي الدخل العالي لفهم سبب مقاومته دفع مبالغ أكبر نسبيًّا رغم إقراره بأن هذه الزيادة لن تؤثر في قدرته الشرائية أو تنقص من ثرائه فرد قائلاً: ''يا خوي ما حنا بأغنى من الدولة''. ولا داعي للخوض في أمثلة تدل على قدرة ذوي الدخل العالي من أفراد وتجار على تطويع وسائل الإعلام المختلفة لخدمة مصالحهم الشخصية والضيقة. ومع الأسف فإن نتائج خدمة تلك المصالح الضيقة للفئة النخبوية عبر الإعلام تغييبُ وربما تشويه للحقائق عن المستهلك العادي بتقديم تحليلات غير عادلة عن قطاع الكهرباء. وفي غياب المختصين بدائرة الإعلام يزداد الأمر سوءًا عندما يخوض بعض الكتاب المخلصين في ظواهر المشكلة بشكل لا يعكس العمق الحقيقي أو دراية بحجم تحديات قطاع الكهرباء، ومن ثَمَّ يقوم هؤلاء الكتاب ـــ من غير قصد طبعًا ـــ بتأليب المستهلكين كافة ضد شركة الكهرباء، ومن ثَمَّ تأخير أو حتى تعطيل قرارات تخدم إنقاذ قطاع الكهرباء من قبل مجلس الوزراء. يتبع المقال القادم.
إنشرها