Author

البحث العلمي مصدر اقتصادي مهمل

|
<p><a href="mailto:[email protected]">[email protected]</a></p> تعتبر البحوث إحدى المهمات الأساسية التي تضطلع بها الجامعات، بجانب التدريس، وخدمة المجتمع. وإنتاج الجامعات من البحوث، والدراسات، سواء ما يقوم به أعضاء هيئة التدريس، أو تلك التي يقوم بها الطلاب، خاصة رسائل الماجستير والدكتوراة، ليس بالكم القليل، وهذا الصنيع، تحمد عليه الجامعات، لأن البحوث تمثل في كل جامعات العالم النافذة التي يتم من خلالها تشخيص الواقع، ومعرفة أسباب العلل، والمشكلات التي توجد في أي مجتمع من المجتمعات، إضافة إلى إيجاد الحلول لهذه المشكلات ومعالجتها بالشكل الصحيح. ولعله من المناسب الإشارة إلى أن بعض الجامعات اكتسبت شهرتها، وقيمتها على مستوى العالم، من خلال البحوث، والدراسات التي تنشر من خلال أوعية النشر المتوافرة كمراكز البحوث والمجلات، لكن الإنتاج البحثي، لا يتحقق إلا بتوافر مقومات أساسية، أهمها العنصر البشري القادر على المثابرة، والبحث، والتنقيب، ومعرفة كل جديد في حقل التخصص، والعنصر البشري المقصود في هذا السياق، عضو هيئة التدريس، الذي تتوافر لديه آليات، ومهارات البحث العلمي، وهذه ليست بالضرورة متوافرة لدى كل عضو هيئة تدريس، والشاهد على ذلك موجود, فبعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، ربما يفتقرون إلى هذه المقومات، لأن البحث العلمي، يحتاج إلى الجلد، والدقة، والاستمرارية، ودقة الملاحظة، وهذه ليست بالضرورة متوافرة لدى كل أحد. أما العنصر البشري الآخر فهو الفريق المساند للباحث الرئيس، وهم في الغالب مساعدو الباحثين، وطلاب الدراسات العليا، فهؤلاء يشكلون جزءاً رئيساً من فريق العمل البحثي، لا يمكن أن يتحقق البحث من دونهم. وقد سعت جامعات عريقة، ومشهود لها في مجال البحث العلمي، إلى استقطاب الكفاءات العلمية المرموقة، أو تلك التي يتوسم فيها الإبداع، وتتوافر آليات ومهارات البحث عندها، مع كل ما يعنيه الاستقطاب من توفير للإمكانات المادية والبشرية المساندة، وتقديم جميع الإغراءات، ويكفي أن نعلم أن مصر وحدها هاجر منها أكثر من 450 ألف من ذوي الدرجات العالية، حيث توجهوا إلى بلدان أوروبا، وأمريكا، نظراً لما لمسوه من توفير لإمكانات البحث العلمي. وما يُقال عن مصر، يقال عن غيرها من دول العالم العربي والإسلامي، التي فقدت الكثير من العقول، نظراً إلى عدم توفيرها متطلبات البحث التي لا يمكن للباحث أن يعمل من دونها، وعلى رأس هذه المتطلبات الاستقرار النفسي، والمناخ الاجتماعي الملائم. إن النجاح الذي حققه العلماء المهاجرون، في دول المهجر، من اكتشافات، وحلول لكثير من المشكلات من الممكن أن يتحقق في البلدان الأصلية، لو توفرت البيئة المناسبة، والتي من أهمها خاصية الحرية الفكرية التي لا توجد الموانع، والسدود التي تقف حائلاً دون العقل ليسبر، ويختبر الظواهر المادية، والبشرية، والاجتماعية، والسلوكية، إذ دون الحرية، لا يمكن معرفة الحقائق، والأسرار التي تقوم عليها وبها هذه الظواهر. نجح البحث العلمي في الغرب، لأن البيئة المناسبة متوافرة، بيئة تشجع، وتحفز، وتخلق روح المنافسة الشريفة، التي تقود إلى الإبداع، والتألق في جميع مجالات المعرفة، وما هذه النظريات، والتقنيات، وجميع المخترعات إلا نتاج جهود أجيال من العلماء، والباحثين، أفنوا أعمارهم في دراسة شجرة، أو تربة، أو حشرة، أو حيوان في أعماق البحار، أو كوكب في الفضاء، ولذا فالعالم يستفيد من نتائج هذه البحوث وتطبيقاتها. الدعم المالي السخي، والذي لا يعرف حدوداً، والمقدم من الحكومات، والشركات، والأوقاف، هي أحد أسباب روافد النجاح في تلك البلدان، حيث مليارات الدولارات ترصد للبحث العلمي، ولا غرابة في هذا السخاء، فعطاءات البحث العلمي كثيرة، حيث الشركات الرائدة تنتج سلعها، بناءً على ما تقدمه لها المختبرات، ومعامل البحث العلمي، والدراسات الميدانية. تساءلت، وأنا أكتب هذا المقال، حول البحث العلمي في جامعات العالم العربي ووضعه، وكم من براءات الاختراع أو النظريات، التي قدمتها هذه الجامعات بأساتذتها وباحثيها، وطلابها. لا شك أن الجامعات على امتداد العالم العربي والإسلامي، قدمت الكثير من البحوث الرائدة، لكن هذه البحوث، ربما لا تجد طريقها للتطبيق، لكي تتحول إلى منتجات حضارية يستفاد منها في حياة الناس، ولو بحثنا عن الأسباب، لربما تبيّن لنا أن هذه البحوث الرائدة، لم تجد من يأخذها ويستفيد منها، فلا الشركات، والمؤسسات فعلت ذلك، ولا الباحث لديه القدرة لتحويل نتائج الدراسة إلى مخرجات يستفاد منها في حياة الناس، ومصير هذه البحوث الحبس في المكاتب، والأدراج، وفي بطون الكتب والمجلات. قبل عشرين سنة، عندما كنت طالب دكتوراة في جامعة ولاية واشنطن، أجرى أحد الطلاب العرب دراسة رائدة على البطاطس تعالج بعض المشكلات التي توجد في هذا المنتج الزراعي، وما إن تم مناقشة الدراسة، حتى تم الاتصال به من قبل متخصصين في دولة العدو الصهيوني يعرضون عليه العمل معهم في هذا المجال. هذا مثال يكشف حقيقة حرص الآخرين على معرفة كل جديد وفي كل مجال، وإهمالنا لما بين أيدينا ومن إنتاجنا وبفعل جهودنا. إن إهمال هذه البحوث، وتركها طي النسيان، لا يتسبب في إحباط الباحثين والدارسين الذين يتطلعون إلى نتائج أبحاثهم، وقد تم تحويلها إلى ما ينفع الناس فحسب، بل إنه يضرّ بالناتج الاقتصادي، الذي يعتمد في الأساس على الاستيراد مما ينتجه الآخرون بفضل البحوث والدراسات، فهل زهدنا في جامعاتنا وبحوثها وتعودنا على بحوث الآخرين وإنجازاتهم؟! لماذا لا نستفيد من المثل الذي سقته حول دولة العدو الصهيوني وسعيهم الحثيث وراء المعرفة ونتائج البحوث أياً كان مصدرها، خاصة أننا نكرر المثل القائل الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى الناس بها. هل نعطي البحث العلمي ما يستحقه من دعم، ومساندة معنوية، ومادية، وذلك بتكريم أهله وإبرازهم، وتمكينهم من عمل البحوث، والدراسات، دونما حواجز ومعوقات إدارية، وبيروقراطية تدخل الباحثين في متاهات السرية، والخصوصية والأمور الحساسة، وما إلى ذلك من إبداعات الروتين. أعتقد، أنه ومن أجل أن نوجد بيئة، ومناخاً مشجعاً على البحث العلمي لا بد من الثقة أولاً بباحثينا وإعطائهم ما يستحقونه من دعم، ومساندة تليق بهم، وتساعدهم على إنجاز أعمالهم البحثية، ثم أنه لا بد من إيجاد آلية يتم من خلالها استثمار هذه البحوث الاستثمار الأمثل بدل تركها للغبار والعنكبوت يعشش عليها، خاصة أن مجتمعاتنا في أمسّ الحاجة إلى بحوث ودراسات منبثقة من جامعاتنا، وتأخذ في اعتبارها احتياجاتنا وواقعنا الاجتماعي، وفي وضع كهذا، لا بد من التنسيق بين الجامعات كمصدر للبحوث وبين الجهات ذات العلاقة من دوائر رسمية، ووزارات، وشركات تستفيد هي بدورها من هذه البحوث والدراسات، ولعل سعياً تقوم به الغرف التجارية ووزارة التعليم العالي ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية يكون ذا فائدة للجميع، ويتحقق به نماء، ورخاء، وقوة اجتماعية في الميادين كافة، وعلى رأسها الجانب الاقتصادي.
إنشرها